الجديد

الذكرى العاشرة لاغتيال بلعيد .. و يستمر البحث عن الحقيقة

التونسيون – (وات)-

عشر سنوات مرت على جريمة اغتيال السياسي اليساري المعارض، شكري بلعيد، ذات صباح باكر من يوم 6 فيفري 2013، رميا بالرصاص أمام منزله الكائن بالمنزه السادس من ولاية أريانة .. عشر سنوات لم تكن كافية للكشف عن حقيقة أول اغتيال سياسي في تونس بعد الثورة .. حقيقة من دبر وخطط وحرض، لا فقط من ضغط على الزناد.

ويرفع المتظاهرون في الوقفات الدورية المنتظمة أمام وزارة الداخلية للمطالبة بكشف حقيقة الاغتيالات السياسية في تونس بعد الثورة (حوالي 500 وقفة) الشعارات ذاتها ضد حركة النهضة (الإسلامية) متهمين رئيسها راشد الغنوشي بالوقوف وراء اغتيال بلعيد الأمين العام لحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد وأبرز مؤسسي الجبهة الشعبية المعارضة لحكم “الترويكا” التي تقودها “النهضة” آنذاك.

وتتهم عائلة الشهيد والقوى السياسية المعارضة مباشرة حركة النهضة ورئيسها الغنوشي باغتيال بلعيد، المعروف بانتقاداته اللاذعة للحركة ولزعمائها ولمنظومة حكمها في تلك الفترة، إلا أن الحركة ما فتئت تنفي هذه الاتهامات وتصفها بـ”الكاذبة” وتعتبر ألا مصلحة لها في ذلك مطلقا.

ورغم كل “الحقائق والمعطيات والوثائق والأدلة” التي قدمتها هيئة الدفاع عن الشهيدين، لم يحسم القضاء في ملف القضية بسبب ما قالت هيئة الدفاع إنها “ضغوطات وتورط لقضاة في إخفاء وثائق للتستر على شخصيات هامة في الدولة”.

//هيئة الدفاع تتوجه إلى الرأي العام العالمي

غيرت هيئة الدفاع عن الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي منهج تحركها واعتمدت استراتيجية جديدة للتعريف بالملف لدى الرأي العام الدولي، ذلك ما أكده عضو الهيئة رضا الرداوي، في ندوة صحفية بجينيف في سويسرا تحت عنوان “المعطيات الجديدة حول الاغتيالات السياسية لشكري بلعيد ومحمد البراهمي”.

وأفاد بأن جينيف هي أولى المحطات في هذه الاستراتيجية، وستتبعها مواعيد أخرى بفرنسا وبروكسال ونيويورك.

ورفضت عضو هيئة الدفاع إيمان قزارة الإدلاء بأية تفاصيل حول مستجدات الملف، وقالت في تصريح لـ(وات) إن الهيئة بصدد الإعداد لندوة صحفية خلال الأيام القادمة سيتم خلالها الكشف عن تفاصيل جديدة تخص قضية اغتيال السياسيين بلعيد والبراهمي.

وأكد عميد المحامين حاتم المزيو، في تصريح الجمعة لـ(وات)، أن الهيئة ستعقد الأربعاء القادم بالعاصمة بالاشتراك مع هيئة الدفاع عن الشهيدين ندوة صحفية هامة من أجل تقديم آخر المستجدات والاثباتات والمؤيدات المتعلقة بقضية اغتيال شكري بلعيد في انتظار حسم المحكمة.

وذكر أن “مسار معرفة الحقيقة كاملة والكشف عمن تورط في القضية ومن حرض ومن اغتال ومن أخفى الحقيقة مستمر وبدأ يعطي أكله وذلك بفضل نضالات فريق الدفاع”، مضيفا قوله إنه “رغم التعطيلات في التحقيق فإن عديد الخيوط الهامة والملابسات في بعض الملفات ذات العلاقة بالقضية الأساسية، وهي الاغتيال، بدأت تظهر”.

وأكد المزيو ثقته في القضاء التونسي للكشف عن الحقيقة كاملة ومحاسبة كل من تورط في القضية من قريب أو من بعيد.

من ناحيته، قال القيادي في حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد أيمن العلوي إن كل التقدم الذي حصل والنضالات التي صارت في ملف الشهيدين بلعيد والبراهمي تعود بالأساس إلى هيئة الدفاع.

وذكر بأن الهيئة كانت تعاني من “تضييقات جمة عندما كانت حركة النهضة ممسكة بزمام السلطة السياسية، ومحاولات لطمس الحقيقة”، مضيفا قوله “بعد خروج الحركة من الحكم لم نر أن السلطة الجديدة القائمة قد انخرطت فعلا في محاولة الكشف عن الحقيقة وتحرير القضاء وفي تحمل النيابة العمومية مسؤوليتها”.

وأكد أن الحزب سيواصل نضاله من أجل كشف الحقيقة أمام الرأي العام ، قائلا ” هذا الأمين العام لحزبنا ونحن لدينا من الالتزام والصبر والوفاء لمواصلة النضال من أجل كشف كل ملابسات عملية اغتياله التي نعتبرها اغتيالا سياسيا وبمثابة جريمة دولة”.

وأضاف ” القضية بالنسبة لنا جريمة تنظيم سياسي، وهي لا تتعلق فقط بكشف ملابسات الاغتيال، لأن وراء هذه العملية الملف الإرهابي في تونس برمته، ونحن نعتبر أن أطرافا سياسية قررت تصفية خصومها بالرصاص والعنف ولذلك نحن نتمسك بتحميل المسؤولية السياسية للاغتيال”.

//مسار قضائي معقد في انتظار الحسم

لقد شكل اغتيال شكري بلعيد قبل عشر سنوات صدمة لدى التونسيين وزاد في تعميق أزمة سياسية حادة كانت تخيم على الأوضاع في البلاد، مما دفع برئيس الحكومة آنذاك والقيادي بحركة النهضة حمادي الجبالي للاستقالة من منصبه ليعوضه علي العريض ابن الحركة ووزير الداخلية عند ارتكاب جريمة الاغتيال.

وتبنى متطرفون على صلة بتنظيمات إرهابية تنشط بالبلاد اغتيال شكري بلعيد (يساري) والنائب المعارض محمد البراهمي (قومي عربي) في 25 جويلية 2013، وأكدت السلطات في بداية 2014 أنها قضت على القاتل المفترض كمال القضقاضي بمنطقة رواد قرب العاصمة تونس مع ستة إرهابيين آخرين.

وحسب رواية وزارة الداخلية، فإن المسمى كمال القضقاضي وأبو عياض (زعيم تنظيم أنصار الشريعة الإرهابي) خططا لعملية الاغتيال للانتقام لمقتل المدعوة محرزية بن سعد زوجة رضا السبتاوي، الذي تم إيقافه وهو تابع للجناح العسكري لتنظيم أنصار الشريعة، وذلك خلال عملية أمنية.

إلا أنه ومنذ عملية الاغتيال، يشير أقارب بلعيد وزملاؤه وهيئة الدفاع إلى وجود “إرادة سياسية” و”ضغوط” لعدم كشف “الحقيقة” بشأن مدبري الاغتيال، واتهم معارضون وزارة الداخلية، التي كان على رأسها علي العريض، بتسهيل هروب المشتبه بهم.

وتوصلت هيئة الدفاع إلى كشف معلومات حساسة عن وجود ما أسمته بـ”غرفة سوداء”” في وزارة الداخلية توجد بها وثائق هامة تدين حركة النهضة وما يسمى بـ”الجهاز السري” للحركة، الذي حملته الهيئة مسؤولية الاغتيالات السياسية والعمليات الإرهابية في البلاد.

وبينت أن هذا “الجهاز الموازي” يسعى إلى اختراق المؤسستين العسكرية والأمنية، وأيضا جمع معلومات حول الصحافيين، وبناء منظومة أمنية موازية واستقطاب القضاة وتتبع العسكريين، إضافة إلى التعاون مع تنظيم “الإخوان المسلمون” المصري وتنظيم “أنصار الشريعة” المحظور.

وذكرت هيئة الدفاع أن جهودها أفضت إلى “الكشف عن معطيات تثبت تورط رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي في قضايا تتعلق بغسل الأموال، فضلا عن تهمة التخابر مع جهات أجنبية والتجسس على السياسيين وعلى المسؤولين في الدولة”.

واتهمت قضاة بعرقلة مسار الملفات المتعلقة بقضيتي اغتيال بلعيد والبراهمي ورفعت شكايات “ضد كل القضاة الذين عطّلوا مسار القضية وتورّطوا في التستر على ملفات ذات علاقة وفي مقدمتهم وكيل الجمهورية السابق، بشير العكرمي”.

وقالت الهيئة “إن العكرمي ساهم في إيقاف وتعطيل أعمال تنصّت قانونية كانت ستكشف تورّطه في الاغتيالات السياسية، كما أنه متهم أمام القطب القضائي الاقتصادي والمالي، في علاقة بالجهاز السري المالي لراشد الغنوشي”.

وكان مجلس القضاء العدلي في تونس أوقف القاضي بشير العكرمي عن العمل وأحال ملفه على النيابة العامة بعد اتهامه من قبل رئيس محكمة التعقيب “بالتستر على ملفات متعلقة بالإرهاب”، وارتكاب “إخلالات في المسار القضائي لملفي اغتيال شكري بلعيد ومحمد البراهمي والتستر على جرائم إرهابية وتعطيل التحقيق في آلاف الملفات المتعلقة بالإرهاب”.

وأكدت محكمة التعقيب، في 6 مارس 2019، أن “جملة المطالب التي أثارتها هيئة الدفاع والمآخذ التي تم توجيهها الى حاكم التحقيق صحيحة ولابد من إعادة النظر في الملف وإعادة البحث من جديد”.

وفي 31 ديسمبر 2019، فتح تحقيق في ما يعرف بملف “الجهاز السري” وتم توجيه التهم إلى 16 شخصا، بينهم أعضاء بحركة النهضة، على غرار رياض الباروني وكمال العيفي والطاهر بوبحري، الى جانب عديد الأشخاص الآخرين.

وفتحت النيابة العمومية، بتاريخ 3 فيفري 2020، تحقيقا جديدا حول اختفاء وثائق ومعطيات تهم ملف قضية الاغتيال، وكذلك حول عملية إخفاء مسدسات تم استعمالها في اغتيال شكري بلعيد ومحمد البراهمي.

وفي يوم 1 فيفري الجاري استمع قاضي التحقيق الأول بالمكتب الثالث بالمحكمة الابتدائية بأريانة المتعهد بالبحث في الملف المتعلق بما يعرف بـ”الغرفة السوداء” بوزارة الداخلية إلى وزير الداخلية الأسبق وسفير تونس الحالي بالسعودية هشام الفوراتي.

وشمل ملف “الغرفة السوداء” 11 متهما، وسبق أن أصدر قاضي التحقيق المتعهد بملف الحال بطاقتي إيداع بالسجن في حق كل من مدير مكافحة الإرهاب ومدير حفظ الوثائق سابقا بالإدارة العامة للمصالح المختصة بوزارة للداخلية.

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    ^ TOP