الجديد

"الشيخان" .. أخطاء اتصالية أم ضبابية في الرؤية

كتب: هشام الحاجي
يعتبر الباجي قائد السبسي و راشد الغنوشي “الشيخان” المؤثران في المشهد السياسي و هو ما يفسر الاهتمام الكبير الذي يحظى به كل ما يصدر عنهما من اقوال و افعال . و شاء تساوق الرجلين ان يلفتا الانتباه في الايام الأخيرة بما اعتبره المتابعون “انزلاقا اتصاليا”.
فقد تراس راشد الغنوشي اجتماع اطارات حركة النهضة و لم تغب عن هذا الاجتماع ممارسة اتصالية اعتبرت “استعراضية” اكثر مما ينبغي بل رأى فيها البعض “استنساخا” لبهرج اجتماعات زين العابدين بن علي و تأكد هذا التشابه اللاواعي عبر حديث رئيس حركة النهضة عن امتلاك الحركة لبرنامج لتونس في حدود سنة 2030 و هو ما ذكر البعض بدراسة قام بها المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية لما كان الصادق شعبان يشرف على مقاليده و يحمل نفس العنوان.
و لم تقف “الانزلاقات الاتصالية ” لراشد الغنوشي في اجتماع الحمامات عند هذا الحد اذ لم يخل الخطاب من “ارتياح للقوة” و تباه بالموقع المتقدم للحركة في المشهد السياسي . و اولج راشد الغنوشي المسمار حين طرح مبادرة “العفو التشريعي الكامل” التي اثارت ردود فعل غاضبة خارج حركة النهضة و داخلها.
فقد رأى فيها اغلب الفاعلين في الحقلين الاعلامي و السياسي اعادة تعليب للرؤية التي انبنى عليها مسار العدالة الانتقالية الذي اوصل البلاد الى مازق حقيقي و زاد في تعميق اسباب الكراهية و اضعف مقومات العيش المشترك . و لم يفت المعارضين للغنوشي و حركته التذكير بالأخطاء التي ارتكبتها الحركة منذ 2011 و التي تستوجب حسب رايهم مبادرة الحركة بالاعتذار و يجعلها موضع مساءلة . و اما الاصوات الرافضة داخل حركة النهضة فإنها رات في مبادرة الغنوشي التفافا على العدالة الانتقالية و “تسفيها” ضمنيا مرفوضا لهيئة الحقيقة و الكرامة.
كما أن تشبيه الغنوشي مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في اسطنبول بالشاب البوعزيزي الذي حرق نفسه وكان وراء اندلاع الثورة التونسية لم يكن موفقا سواء داخل النهضويين أو خارجهم وجعل الماكينة الاعلامية السعودية تتحرك ضد الغنوشي وحركة النهضة وهو ما فرض على الحركة التراجع والتوضيح.
اما الباجي قائد السبسي فقد اثار تصريحه الذي اعقب العملية الارهابية الأخيرة بشارع الحبيب بورقيبة فقد اثار ردود افعال اكبر لارتباطه بحدث اهم من ناحية و لان المفردات كانت اقوى اذ اعتبر ان “الارهاب قد يقضي علينا بعد ان اعتقدنا اننا قضينا عليه” .  و لم يقف رئيس الجمهورية عند هذا الحد بل “انتهز الفرصة” ليتهجم على السياسيين و على ما اعتبره “تكالبهم على الكراسي “.
كلام الرئيس السبسي اعتبره اغلب المتابعين ان له تأثير سلبي  على الروح المعنوية للشعب التونسي . اما اشارته السلبية لرجال السياسة فقد نالت نصيب الاسد من النقد اذ اعتبر العديدون ان رئيس الجمهورية قد غذى هذه النزعة و ان تعليقه هو استغلال سيء للمناسبة لتوجيه اشارات سلبية لرئيس الحكومة يوسف الشاهد و لحركة النهضة.
و لا شك ان تزامن الانزلاقات الاتصالية للشيخين يخفي في طياته اشارات على ضبابية في الرؤية السياسية لأنه لا يمكن باي حال من الاحوال الفصل في الممارسة السياسية بين المضمون و الشكل الاتصالي.
ان توافق بين حركة النهضة و حركة نداء تونس، قد تحول الى قطيعة معلنة،  و هو ما يفرض على “الشيخين ” اجتراح استراتيجيات بديلة لم تتضح ملامحها بعد و لا احد يدري ما هي تكلفتها على جميع المستويات . حالة القطيعة المعلنة تفرض على الباجي قائد السبسي و راشد الغنوشي التفكير في “تحالفات سياسية جديدة” و هو ما لا يبدو امرا يسيرا خاصة و ان الرجلين قد انقلبا في سبيل التوافق على حلفائهما و هو ما يحد من هامش المناورة لكليهما.
كما أن  الموقف المتناقض للرجلين من رئيس الحكومة يوسف الشاهد،  هو موقف غير ثابت اذ لا تحكمه رؤية استراتيجية تستند الى تقدير المصلحة العامة دون سواها، بل يتأثر اساسا بالحسابات الحزبية و بمنطق “اقتسام كعكة السلطة”. وهنا لابد أيضا من الاشارة، الى ضبابية كبيرة وترمي بظلالها على المشهد برمته، وتتعلق  بعدم وضوح نوايا راشد الغنوشي و الباجي قائد السبسي، في ما يتعلق بالترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة  .
 

هشام الحاجي [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    ^ TOP