الجديد

الطاهر شريعة.. مؤسس قرطاج السينمائية / بروفايل/

منذر بالضيافي

في ستينات القرن الماضي، كان مجرد التفكير في بعث تظاهرة سينمائية يعد ضربا من ضروب الخيال والحلم، لكن بإرادة الطاهر شريعة وزملاء له تحول الحلم الى حقيقة، فكانت الدورة الأولى  لأيام قرطاج السينمائية في سنة 1966، وفتحت تونس الأبواب أمام السينمائيين العرب والأفارقة للقاء والتحاور، ثم حملتهم في مرحلة لاحقة الى النجومية والعالمية.

كما ساهمت في خلق حركية سينمائية، فكانت وراء بعث العديد من التظاهرات لعل أبرزها مهرجان أوقادوقو ببوركينافاسو، الذي ساهم الى جانب مهرجان قرطاج في التأسيس لسينما افريقية وبروز أجيال من المخرجين والسينمائيين العرب والأفارقة.

مع انطلاقة الدورة 32 لأيام قرطاج السينمائية ، ليلة السبت 30 أكتوبر 2022، لاحظت غياب و تغييب لمؤسس هذه الأيام وباني مجدها وفلسفتها المرحوم الطاهر شريعة.

يعد الطاهر شريعة أحد رموز الدولة الوطنية الحديثة، التي تأسست بعد الاستقلال، فقد ساهم من موقعه كمثقف عضوي منخرط في الحراك التنموي العام، سواء ضمن نوادي السينما أو بصفته مسؤولا عن قطاع السينما في وزارة الثقافة، التي كان يشرف عليه أنذاك الاستاذ الشاذلي القليبي في التأسيس لسينما تونسية، ولمهرجان «أيام قرطاج السينمائية» التي كرمته في  دورتها الثالثة والعشرين، وهي الدورة الاخيرة التي حضرها الاستاذ الطاهر شريعة/ المعلم/ والأب المؤسس، حيث أقيم له بالمناسبة حفلا كبيرا خصص لتكريمه.

يومها 27 أكتوبر 2010 وعلى كرسي متحرك ووسط تصفيق الحضور من أحباء الفن السابع ومن السينمائيين العرب والأفارقة صعد الاستاذ الطاهر شريعة على ركح المسرح البلدي بالعاصمة حيث لم يقعده المرض عن الحضور ومشاركة السينمائيين اجواء الاحتفال بالفن السابع اضافة الى استعادة ذكريات تأسيس أول تظاهرة سينمائية في الحوض الجنوبي للبحر الأبيض المتوسط.

حضر الأب المؤسس، وانطفأت أضواء المسرح وخيم السكوت في حضرة المعلم، الذي أعطى من فكره وجهده الكثير، في زمن كان فيه الفن والسينما مجرد ترف فكري، لكن الطاهر شريعة جعل من الصورة أداة للنضال والتعريف بافريقيا وأسس لحوار ولقاء بين شمال القارة الافريقية وجنوبها.

في تلك السهرة، التي كرم فيها وهو على قيد الحياة، بدا الاستاذ وكأنه يودع تلامذته ومريديه، تحدث بصوت خافت وبكثير من العفوية والحنين الى فترة البدايات، وأكد الطاهر شريعة مرة أخرى على أنه «معتز كل الاعتزاز باستمرار هذا المهرجان اعتزازا «استمده من فخري بانتمائي الى بلدي فالفعل الابداعي الصادق، هو فعل نضالي بامتياز، ولذلك يبقى ويستمر ويكتب له الخلود وهذا ينطبق على هذه التظاهرة التي نحتفل اليوم بدورتها الثالثة والعشرين.».

من هو الطاهر شريعة؟

توفي في مثل هذا اليوم 4 نوفمبر من سنة : 2010 – الطاهر شريعة، سينمائي تونسي ومؤسس مهرجان أيام قرطاج السينمائية عام 1966.

– الطاهر شريعة : ولد في 5 جانفي 1927 – توفي في 4 نوفمبر 2010، (83 سنة).

– ولد بصيادة، وتلقّى دراسته الابتدائية في مسقط رأسه والثانوي بالمدرسة الصادقية حيث حصل على شهادة الباكالوريا. ثمّ التحق بمعهد الدراسات العليا، فأهّله تكوينه ليكون أستاذا في مطلع الستينيّات بأحد المعاهد الثانوية بصفاقس ثمّ مديرا لمصلحة السينما بوزارة الثقافة.

– يعدّ الطاهر شريعة أبا للسينما التونسية بلا منازع، فقد ترأس الجامعة التونسية لنوادي السينما عندما تتونست وحرص على أن يكون هذا الهيكل بخلاياه التي بُعثت في كامل تراب الجمهورية مجالا خصبا لإشاعة الثقافة السينمائية ومدرسة تخرّج في صفوفها شباب اختاروا التخصّص في المهن السينمائية. فكان منهم مصوّرون ومنتجون ومخرجون وفنيّون.

– ويرجع الفضل إلى الطاهر شريعة في إعداد النصوص المنظّمة للقطاع السينمائي التي صدرت سنة 1960 فيما أصبح يعرف بمجلّة الصناعة السينمائية، كما كان له إسهام نشيط في عدّة مهرجانات ذات طابع ثقافي عام وسينمائي بوجه خاص.

– وقد أسّس سنة 1966 أيّام قرطاج السينمائية، وتولّى إدارة دوراتها الأولى، وحدّد هويتها وملامحها العربية الافريقية.

– انتقل الطاهر شريعة بعد ذلك إلى فرنسا لتكون له تجربة ثريّة في اختصاصه خارج وطنه. فأفاد هناك واستفاد بفضل إشرافه على قسم السينما في وكالة التعاون الفنّي والتقني التي أصبحت تعرف بالمنظمة الدولية للفرنكفونية. وهو ما أتاح له الإسهام في بعث مهرجان السينما الإفريقية بواغادوغو ببوركينا فاسو سنة 1971 ومهرجان مقديشو بالصومال.

– إنّ إشعاع الطاهر شريعة في هذا التخصّص الذي يحظى باهتمام المثقفين في كامل أرجاء المعمورة قد جلب له تقدير منظمة اليونسكو التي استأنست بكفايته وتجاربه. فجعلته خبيرا لديها طيلة سنوات. وكان من نتائج هذا الإشعاع أيضا أن شارك في لجان تحكيم مهرجانات سينمائية دولية كان يدعو فيها باستمرار إلى فكّ ما يسمّى بالهيمنة السينمائية الغربية بتأسيس صناعة سينمائية إفريقية مستقلّة متميّزة تتكلّم لغة شعوبها وتتبنّى قضاياها وتبرز مزاياها لضمان خصوصيّة هذه الشعوب ودورها في إغناء هذا القطاع الثقافي الحيّ.

– ولئن لم يكن الطاهر شريعة كاتبا غزير الانتاج فإنّه خلّف محاولات طريفة في الشعر باللغتين العربية والفرنسية. وتنسب إليه عدّة سيناريوهات، كما نشر جملة من المقالات عن السينما في مجلة “المسرح والسينما” التي كانت تصدر عن وزارة الثقافة.

– توفّي الطاهر شريعة يوم 4 نوفمبر 2010 عن سنّ تناهز 83 عاما بعد أن أهدى مكتبته الخاصّة إلى بلدته ومسقط رأسه صيّادة.

 

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    ^ TOP