الجديد

تونس: العرض المسرحي الصيني “عودة النجم” .. يفتتح أيام قرطاج المسرحية 2024

تونس– (وات/الأسعد محمودي) – افتتحت أيام قرطاج المسرحية في دورتها الخامسة والعشرين في سهرة السبت بعرض حمل عنوان “عودة النجم”، وهو إنتاج صيني بإمضاء المخرج “ليمي بونيفاسيو” الذي دمج بين الرمزية والتجديد وقدم رؤية فنية بصرية عميقة، مستعرضا رحلة الإنسان الداخلية في بحثه عن هويته ومعناه الوجودي وسط تحديات العصر الراهن.

وسجّل هذا العرض العالمي الأول الذي تم تقديمه، في مسرح الأوبرا بمدينة الثقافة، حضور جمهور غفير من مسرحيين تونسيين وممثلي سفارة جمهورية الصين الشعبية بتونس، ووفود عربية وافريقية وأجنبية مشاركة في هذه الدورة 25 لأيام قرطاج المسرحية.

تبرز السينوغرافيا في “عودة النجم” كأداة فنية مؤثرة استخدمها “بونيفاسيو” بذكاء شديد لخلق أجواء غامضة تتناغم مع موضوعات المسرحية، حيث تظهر في المشهد الافتتاحي شخصية وحيدة واقفة وسط الظلام في الجزء الخلفي للركح مع خلفية من النار المشتعلة التي تلتهم المساحة خلف هذه الشخصية. ويحمل مشهد النار الافتتاحي في طياته معان متعددة كالدمار والتطهير ثم التجديد.

// السينوغرافيا: لغة بصرية تنبض بالمعاني //

واستخدم المخرج السينوغرافيا كأداة قوية لسرد القصة، إذ سيطرت في عنصر الإضاءة الألوان الداكنة على المسرح لتعكس أعماق الوجدان الإنساني. ففي قلب هذا الظلام، ظهرت شخصية وحيدة مع بداية العرض محاطة بظلال عميقة وكأنها تعكس صراع الإنسان الأزلي بين النور والظلام. وقد كانت النار المشتعلة خلفها بمثابة شمعة تنير الظلمات، ترمز إلى الأمل في مسار البحث عن الهوية والانتماء في عالم متسارع. وقد بدت كل حركة، وكل نظرة، وكل كلمة، تحمل في طياتها دلالات عميقة، تدعو المتفرج إلى التأمل في ذاته وفي العالم من حوله.

وبينما تحيط الشخصية ظلال قاتمة، ينبعث من النار شعاع من الضوء، وكأننا بالمخرج أراد من خلاله بناء أحداث مسرحيته على جملة من المتناقضات أبرزها بين الظلام والنور، ليصور حالة الصراع الداخلي الذي يعانيه الفرد بين الخير والشر.

ويشير العرض إلى وحدة الإنسان في هذا العالم وهو يشعر بالعزلة رغم كثافة الحركة من حوله، فالظلام يعكس هذه العزلة بينما الضوء المنبعث من الواجهة الأمامية للركح يرمز إلى التوق نحو البحث عن معنى وهدف في حياة مليئة بالصراعات.

وتتناغم هذه الصورة البصرية بقوة مع عنوان المسرحية “عودة النجم”، حيث بدت الشخصية مستعدة في رحلتها لإعادة اكتشاف نفسها، وعثرت على ضوء خافت وسط الظلام ليبقى الأمل في التجدد والبحث عن الذات هو المحور.

// “عودة النجم” ونداء البحث عن الذات في عالم متغيّر //

 وعبر هذه الرحلة، حاول المخرج أن يجيب على أسئلة جوهرية وجودية: ما الإنسان؟ وما هو دوره في هذا العالم؟ وكيف يمكن أن يجد معنى لحياته؟ فمن خلال الشخصية الرئيسية التي تسعى جاهدة للعثور على هويتها، قدم العرض انعكاسا للتجارب الإنسانية المشتركة لا سيما في صراع “الهوية والحداثة”.

إن العودة إلى “الذات” أو “الهوية” أو “عودة النجم” لا تعني مجرد الرجوع إلى الماضي، بل هي رحلة من الداخل للبحث عن هوية أعمق وفقا لرؤية المخرج “ليمي بونيفاسيو” الذي يرى أن فكرة العودة إلى الجذور الثقافية التي يتبناها العرض ليست بالعودة الكلية إلى الوراء بل ينبغي على المرء استلهام القيم والحكمة من التراث والاستفادة منها في الحياة المعاصرة.

وإلى جانب السينوغرافيا بما هي تقنية مبتكرة في هذا العرض، حضرت الثقافة والهوية الصينية من خلال الأصوات والأغاني التراثية لجمهورية الصين الشعبية، والتي انبعثت من حناجر الممثلين لتُترجم الآهات أحاسيس الألم والمعاناة في هذه الرحلة الوجودية للإنسان المعاصر الذي فقد معناه وبات تائها مغتربا عن العالم.

وتنتهي مسرحية “عودة النجم” التي دام عرضها 90 دقيقة بفكرة العودة إلى الذات، فهذه الشخصية التي ظهرت في بداية المسرحية ألبسها المخرج زيّ رائد الفضاء لتعود إلى سمائها كما “النجم” الذي يعود إلى سمائه بعد رحلة طويلة ومضنية.

ويضمّن “بونيفاسيو” من خلال عمله “عودة النجم” جملة من الرسائل التي تدعو إلى البحث عن الذات، واستكشاف الهوية الحقيقية، من خلال التفكير في الجذور الثقافية وتوريثها للأجيال القادمة لتكون نجما ساطعا مرشدا لهم في هذا العالم المتسارع بالأحداث والمليء بالمتغيرات، مع الحرص على إيجاد توازن بين الماضي والحاضر والاستفادة من الحكم القديمة في مواجهة تحديات العصر الحديث، مهما كانت الصعوبات، ومهما كان سيلان الأنهار جارفا ومليئا بالمخاطر.

مؤطر

من تونس إلى العالم: أيام قرطاج المسرحية تحتفي بالفن والحريات في افتتاح دورتها الخامسة والعشرين

افتتحت الدورة الخامسة والعشرون لأيام قرطاج المسرحية، مساء السبت بفضاء المسرح البلدي بالعاصمة، بحضور وزيرة الشؤون الثقاقية أمينة الصرارفي وعدد من رؤساء وممثلي بعثات ديبلوماسية معتمدين بتونس، إلى جانب ثلة من أهل المسرح والثقافة والإعلام من تونس ومن دول عربية وافريقية وأجنبية.

بعد أداء النشيد الوطني التونسي، اعتلت الممثلة سوسن معالج الركح، فقدمت موقفا مسرحيا مرتجلا، ثم اختار مدير الدورة 25 لأيام قرطاج المسرحية محمد منير العرقي أن تكون إطلالته ممسوحة، ألقى خلالها كلمته التي أكد فيها على أن هذه الدورة ليست مجرد مناسبة ثقافية بل هي احتفالية باليوبيل الفضي لهذا الحدث الذي بات من أعرق المهرجانات المسرحية في العالم العربي وإفريقيا. 

وأشار مدير الدورة إلى أن المهرجان يواصل مسيرته على الرغم من التحديات والصعوبات التي اعترضت بعض الوفود المشاركة، نتيجة مشكلات تتعلق بالتأشيرات والتنقل، معبّرا عن تضامنه مع الفنانين الذين لم يتمكنوا من الحضور. وأوضح أن دورة اليوبيل الفضي هذه تعتبر “هدية” لجميع المشاركين والجمهور، خاصة في ظل شعارها الذي يحمل عنوان “المسرح، الإبادة والمقاومة”.

وأضاف أن المهرجان لا يقتصر على الاحتفال بالفن، بل هو أيضا دعوة للتضامن مع القضايا الإنسانية حيث يُعد المسرح بمثابة سلاح يساهم في الدفاع عن حقوق الإنسان وحرياته الأساسية. وفي هذا السياق استشهد العرقي بمقولة الكاتب المسرحي البرازيلي “أوفيستو بوال”: “المسرح هو سلاح، وكل من يعمل في المسرح هو محارب من أجل حرية الإنسان”.

وأكد مدير الدورة أن كافة الفعاليات التي ستتم خلال الأيام المقبلة من عروض مسرحية وندوات ونقاشات ستكون مرتكزة على دعم الحق في الحياة و في التعبير وفي التغيير. كما أكد على موقف المهرجان الثابت في دعم حق الشعوب في تقرير مصيرها، والدفاع عن حقوقها وأراضيها، قائلا إن هذه المناسبة تحمل في طياتها رسائل قوية عن التضامن مع القضايا الإنسانية.

واعتلى المغني الفلسطيني شادي زقطان الركح معانقا غيتاره، فغنى للإنسان وللحرية والعدالة الكونية. كما تم تكريم مجموعة عيون الكلام الموسيقية الملتزمة بقيادة خميس البحري.

وقدّمت مجموعة “بابا روني” لفنون السيرك عرضا مقتضبا بعنوان “أطفال من العالم” وتضمن مشاهد من الحياة في فترة السلام ثم طمستها الحرب، لينتهي هذا المشهد المسرحي بالفرح والسلام والحب.

وكرمت إدارة أيام قرطاج المسرحية عددا من الشخصيات الراحلة وهم عبد المجيد جمعة ومراد كروت والسعدي الزيداني وعبد الحق خمير وعبد العزيز بالقايد حسين ومحجوبة بن سعد ومحمد مورالي وكذلك الفنان الموسيقي الفقيد ياسر الجرادي. كما شمل التكريم عددا من الوجوه المسرحية والتلفزيونية وهم آمال بكوش ووجيهة الجندوبي ومقداد الصالحي ويحيى الفايدي وفاطمة البحري ومنير بن يوسف.

وتميّز حفل الافتتاح الذي أخرجه الفنان المسرحي غازي الزغباني بمجموعة من العناصر السينوغرافية التي ترمز إلى الطاقة والإيجابية والتفاؤل، حيث ارتبطت الألوان بالمرح والحياة والحماس والعاطفة والشغف والحب،  وتزينت السينوغرافيا والديكور بالمعلقة الرسمية لهذه الدورة وهي حبلى بمقاصد بالتفكير والإبداع، وبلونها الأخضر الذي يرمز إلى الطبيعة والحياة والتجديد والنمو والأمل، واكتست المعلقة بالزهور بما هي رمز للجمال والأنوثة والخصوبة وهي رمز عالمي للفن والإبداع وتدل على الأجواء الاحتفالية والمرحة. أما الطائر الذي يرفرف فهو رمز إلى الحرية والإبداع والارتقاء.

وإثر عرض الافتتاح الرسمي في المسرح البلدي، كان لضيوف الدورة ولجمهور الفن الرابع موعد في مسرح الأوبرا بمدينة الثقافة، مع عرض مسرحي من جمهورية الصين الشعبية حمل عنوان “عودة النجم”، من تصميم وإخراج ليمي بونيفاسيو. وهذا العرض يُعد الأول عالميا لهذا العمل المسرحي بعد أن تم تقديمه لأول مرة في الصين يوم 8 نوفمبر 2024. وسيقدم في عرض ثان بمسرح الأوبرا يوم الأحد 24 نوفمبر بداية من الساعة السادسة مساء.

وتعد دورة 2024 استثنائية على صعيد المشاركات الدولية، حيث سيكون لجمهور الفن الرابع موعد مع 125 عرضا من 32 بلدا من مختلف القارات. وتشمل العروض 12 عرضا في المسابقة الرسمية و35 عرضا في الأقسام الموازية، بالإضافة إلى 13 عرضا في قسم مسرح العالم، وعرضين في تعبيرات مسرحية في المهجر و10 عروض موجهة للطفل و4 عروض في مسرح الإدماج، إلى جانب 11 عرضا في مسرح الحرية الذي يخصص لنزلاء السجون.

وضمن فعاليات المهرجان، تنتظم ندوة دولية فكرية تحت عنوان “المسرح والإبادة والمقاومة: نحو أفق إنسيّ جديد”، وهي ندوة تهدف إلى مناقشة دور المسرح في مقاومة الحروب والظلم. كما تنتظم مائدة مستديرة بعنوان “مسرح الإدماج: التعبير والعلاج”، إلى جانب ورشات عمل عديدة في مختلف مجالات المسرح. ومن بين هذه الورشات “الممثل وقرينه” بإشراف الفاضل الجعايبي وورشة “كيف نكتب للحرب” بإشراف محمد قاسمي وورشة “فن الممثل” بإشراف تيم سابل وورشة “الميم والبانتومايم” بإشراف خالد بوزيد وورشة “الأداء كموضوع للمسرح” بإشراف إيغور فلاديميروفيتش ياتسكو وورشة “الموسيقى والجسد” بإشراف كريم الثليبي.

وضمن ركن “قراءات مسرحية”، سيتم تقديم قراءة لنصوص كاتب ياسين ومحمد قاسمي. كما سيتم تقديم كتابين مهمين في المجال المسرحي: “استقراءات ركحية” للكاتب أنور الشعافي و”الأعمال الكاملة: نصًا وإخراجًا” للكاتب حمادي المزّي. كما ينظم المهرجان معرضا وثائقيا للفنان الراحل علي بن عياد بإشراف محمد المي.

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    ^ TOP