الجديد

حكومة تشنق بحبل شعارها

خالد شوكات

وقف رئيس الحكومة الياس الفخفاخ البارحة أمام نوّاب الشعب بعين مكسورة. كان مختلفا تماما في موقفه عن ذاك الذي كان عليه قبل أسابيع وهو يطلب منح الثقة لحكومته التي تشكلت بعناء كبير اثر أسابيع من المناورات والشد والجذب.

كان الحرج والخوف باديان على ملامحه، وعلى الرغم من استجماعه لكل قواه حتى يواجه ذاك المجمع الذي لا يخلو من طول اللسان وبذاءة البيان، فقد ظهر في كلمته كمن يهرب الى الامام، ولم يكن قادرًا على الاقناع، ولم يتردد في استعمال الفاظ وعبارات غير لائقة في سعي منه لإثبات “شجاعته”.

لقد غاب عنه الوضوح الذي ميّز مداخلاته الإعلامية والسياسية السابقة، واكثر من الاستشهاد بأسماء في غير محلّها، من باب الاستنجاد بقيمتها ومكانتها المعنوية، وهذا صنيع يكشف حالة الشعور بالاستضعاف التي يعيشها الرجل في تلك اللحظات ولم يقدر على الخروج منها.

وفي الديمقراطيات المستقرة يفضل رجال الحكم الذين تورطوا – وقد يكون بعضهم مظلوماً- في مثل هذه المواقف الاستقالة على الهروب الى الامام مثلما فعل السيد الفخفاخ، فالحكم ليس معادلة رياضية بسيطة بل معادلة مركبة وغامضة احيانا، والحال فيها لا يتعلق دائما بالمظلومية من عدمها، بل بشروط الحكم ما بعد الواقعة، واظن ان رئيس الحكومة لن يفلت من اثر حادثة تضارب المصالح حتى وان ثبت بعد التحقيق انه كان حسن النية.

الحكم الديمقراطي قاسٍ في كثير من الأحيان، وقد يكون ظالماً ربما، ولكن تلك شروطه وأحكامه، ولهذا أزعم ان السيد الفخفاخ ما كان عليه ان يختار الهروب الى الامام، لانه ان استمر فيستمر ضعيفا، وسيصعب عليه مهما كان شجاعا وجريئا القيام بوظائفه المستوجبة عليه، وسيجر الى معارك جانبية بلا معنى، وسيرى ضعفه في عيون اقرب المقرّبين اليه، ومن بينهم خبثاء سيستغلون احساسه الكامن في اللاشعور بالضعف، لتمرير بعض مصالحهم الضيقة، وفي هذه المرحلة الشاقة التي يقطعها مسار الانتقال الديمقراطي،وفيّ ظل هذه الأزمة الخانقة التي ازدادت خنقا بعد الكورونا يحتاج حاكم البلاد الى ان يكون قويا جدّا والا فالافضل له المغادرة.

لقد حققت حكومة الفخفاخ نتائج طيبة غير خافية في مواجهة أزمة الكورونا، ولعل هذا كان كافيا ليسهل على الرجل مغادرة ستنصفه لاحقا ربما، وتنقص من شعوره بالغبن والظلم، ولكنه وقد آثر العناد فظني انه سيدفع ثمن عناده باهظا، ذلك انه سيضطر لتقديم تنازلات لم يكن مضطرا لتقديمها، و سيحرج اقرب أصدقائه، خصوصا اصحاب النزعة الطهورية، ممن رفعوا شعار مكافحة الفساد، وليس في خصالهم وما يميزهم الا مزايداتهم في هذا المجال، الامر الذي قد يضطرهم الى التخلي عنه عندما ستشتد الأزمة اكثر في قريب الأيام.

لن يكف خصوم الفخفاخ وهم ليسوا قلة على أية حال، عن توسيع دائرة جرحه، وحتى لو اتخذ من الإجراءات الجريئة ما يعزز نيته في مقاومة الفساد، فيتصور هذه الإجراءات على غير المقصود منها، وستظهر في عيون الناس إجراءات انتقامية او تصفية حسابات سياسية.

وفي مجالات الفعل الحكومي الاخرى، خصوصا منها الاصلاحات الهيكلية المطلوبة، سيكون عجز الرجل اكبر، لان الامر يحتاج الى حاكم لا شيّة على جسده، فان حاور ملأ مكانه وان واجه لم يكن مترددا.

لقد فتل الحبل الذي يراد به شنق حكومة الفخفاخ، بقصد او بغير قصد، وسواء اكان من صنيع قريب حسود او بعيد مناوئ، من ذات الشعر الذي صنع منه شعار الحكومة الرئيسي، اقصد مكافحة الفساد، ولهذا لن يكون من حل في نهاية الامر الا الرحيل، وما دام ليس للرحيل بد فقد كان الافضل ان يكون الرحيل سريعا، اذ كل ما أبطأ ستكون كلفته اعلى على البلاد.

ولم يكن افضل من الاستقالة من باب تحمل المسؤولية، الا ان يطلب الرجل ثقة المجلس من جديد، فلعله اذا نالها حينها يستقوي بها قليلا على هموم الزمان وهي هموم ثقيلة لو تعلمون.

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    ^ TOP