الجديد

خالد شوكات يكتب حول "حقيقة المعركة داخل النداء: نوّاب الحزب لا حزب النوّاب"

بقلم: خالد شوكات*
لقد كان قدر نداء تونس مدني وسطي كبير، وما يزال ان يكون “مخبر المنظومة الحزبية”، أين تجرى تجارب التنمية والتطوير والدمقرطة، مع ما يعنيه كل ذلك من أزمات متعاقبة ومشاكل متوقعة وغير متوقعة وأداء حزبي يصعد ويهبط ضمن تفاعل دائم مع المشهد السياسي العام في هذه المرحلة الانتقالية الحاسمة، التي جعلت من تونس نفسها “مخبرا اقليميا ودوليا” للديمقراطية، التي كان وما يزال يشكك في قدرتها على الاستنبات والثبات في هذا المجال العربي الاسلامي العصي على التغيير وأليف الأنظمة المستبدة لقرون طويلة.
ليس هناك أزمة يمكن ان يواجهها حزب ولم يواجهها نداء تونس منذ تشكله قبل ما يقارب السبع سنوات، فقد واجه نداء تونس “أزمة الولادة” كحزب كبير متعدد الروافد وشكك كثيرون في قدرته على الاستمرار، وواجه أزمة “ادارة التنوع” في ظل تيارات فكرية وسياسية لم تألف العمل المشترك، كما واجه “أزمة القيادة” بعد خروج رئيسه المؤسس إلى قصر قرطاج، ثم واجه “أزمة الهوية” ذات البعد الفكري في سياق مواجهة “أزمة التوافق” ذات البعد السياسي العملي من خلال شراكة الحكم مع خصمه السياسي حركة النهضة، إلى جانب مواجهة “أزمة الاختراق” حيث حاولت لوبيات الفساد النافذة وما تزال، سواء من بوابة مجموعة من “نوابه في البرلمان” او كذلك من بوابة بعض القياديين.
لقد كان النداء عند كل أزمة من هذه الأزمات الكبرى وغيرها، مهددا بالانشقاق والانقسام، بل لعل كل هذه الانشقاقات التي حصلت ابتداء من سنة 2015، ما هي في واقع الامر الا تجليات ونتائج وآثار للازمة، حيث تأتي المبررات السياسية والقانونية وغيرها لاحقا، فهي غالباً ما لا تكون الا ظاهراً لهذه المصالح المتناقضة المنتجة للازمات، وها هو نداء تونس اليوم يواجه من جديد الأزمة الكبرى الاخيرة في رأيي “أزمة النوّاب”، وذلك قبل مواجهته التقييم الشعبي من خلال الانتخابات المقبلة التي ستشهدها تونس خلال الربع الاخير من هذا العام.
إن الرغبة المحمومة التي تجتاح مجموعة من نوّاب نداء تونس، في التجديد لهم على رأس قائمات الحزب في الانتخابات التشريعية القادمة، هي التي تقف وراء مخططهم الذي كشفت عنه تحركاتهم خلال مؤتمر الحزب الاخير، مؤتمر الاصلاح والبناء المنعقد في مدينة المنستير يومي 6 و7 افريل 2019، وتحويلهم وجهته الى قمرت ثم الى الحمامات، حيث محاولة فرض قيادة مهيمن عليها من قبل المجموعة النيابية، حتى تتمكن هذه القيادة من تشكيل القائمات الانتخابية بما يتفق مع مصالحها في التجديد لمقاعدها البرلمانية.
ان مخطط “قمرت – الحمامات” لو نجح لحوّل حركة نداء تونس إلى “حزب النوّاب” بدل ان يكون الوضع “نوّاب الحزب”، فهؤلاء النواب المغمورين في غالبيتهم القصوى، وقد أتى بهم النداء “صدفةً” الى كراسيهم النيابية، لم يعودوا قادرين على تخيّل أنفسهم خارج دائرة القرار وامتيازات السلطة، ومن هنا فان معركتهم من اجل افتكاك الحياة هي معركة حياة او موت بالنسبة لهم، ولهذا فقد برروا لأنفسهم جميع الوسائل، بما في ذلك التزوير وتجاوز القوانين واللوائح الداخلية والعامة، من اجل ادراك ما يشكل بالنسبة اليهم غاية مقدّسة، وقد جمعتهم هذه المصلحة التي تغطي في الوقت الراهن جميع تناقضاتهم الطبقية والمناطقية والفكرية والسياسية وغيرها.
لقد كانت ذات هذه المجموعة في غالبية عناصرها قبل سنتين، عرضة للاتهام بالفساد، ولو لا الحصانة البرلمانية التي يتمتعون بها لكانوا اليوم ربما في غياهب السجن، ومن هنا يبدو تجديد حصانتهم بالنسبة لهم المفر الوحيد لابعاد شبح الإعتقال والتحقيق معهم.
لا شك ان هذه الأزمة قد شكلت ابرز تحدٍّ وجودي لحركة نداء تونس، لكن نتيجتها ستكون مصيرية في بناء عرف سياسي لأشد ما تحتاجه الديمقراطية التونسية الناشئة في كون “النواب” هم مؤسسة حزبية من بين مؤسسات اخرى، لا العكس حيث يكون “الحزب ملكًا لنوابه البرلمانيين”.
ان هذه الزمرة النيابية التي تحاول اختطاف حركة نداء تونس، يعرفون ان اي تقييم موضوعي لآدائهم سيقود الى عدم التجديد لغالبيتهم في القائمات الانتخابية القادمة، فقد كان أداء هؤلاء النواب سيئا للغاية وسببا في خلق العديد من الأزمات والمشاكل للحزب سواء في علاقته بالحكومة او نظرة الرأي العام له، ومن هنا كان من الضروري في حال رغب الحزب في اعادة بناء نفسه وهياكله وصورته الاستغناء عن خدمات غالبيتهم، خصوصا وقد ثبت من خلال التجارب الماضية ان مصلحة الحزب لا تعنيهم، وأنهم مستعدون للمغامرة بمستقبله والاكتفاء بالنجاح بأكبر البقايا.
اذا خرج نداء تونس من هذه الأزمة سالما، فان عليه بذل الكثير لاستعادة عافيته، ولن يتم ذلك الا بمنح الاولوية في اختياراته للكفاءة والنزاهة ومحاربة الفساد.
 
*قيادي في حركة نداء تونس

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    ^ TOP