الجديد

فيلم “التونسية” للمنصف بربوش .. سيرة المناضلة النسوية بشيرة بن مراد

 التونسيون- (وات) –

بعد عشرات السنين استغرقتها عملية جمع الوثائق والشهادات، تمكن المخرج منصف بربوش من استكمال فيلمه “التونسية” الذي يروي سيرة المناضلة التونسية ورائدة الحركة النسائية “بشيرة بن مراد”.

الصعوبات التي رافقت إنجاز الفيلم، تواصلت إلى حدود اللحظات الأخيرة، حيث تأخر عرض هذا الشريط نحو ساعة عن الموعد المحدد مساء السبت في عرضه ما قبل الأول بقاعة عمر الخليفي بمدينة الثقافة بتونس العاصمة، لأسباب تقنية.

في كلمة تقديمية، مفعمة بمشاعر تحمل مزيجا من الفرح والارتياح، قال المخرج منصف بربوش الذي تولى أيضا كتابة سيناريو الفيلم فضلا عن إنتاجه وإخراجه، أنه وعد المناضلة بشيرة بن مراد حين التقاها سنة 1988 بأنه سينتج فيلما يروي قصة حياتها، وها أنه يفي بالوعد “وقد كان العمل شاقا” . وبين أنه اكتشف فيها المرأة التونسية المسلمة العصرية والمتقدمة. وقال إن الفيلم هو رد اعتبار واعتراف بالجميل لما قامت به قائلا “نحن مدينون لكل ما قامت به”.

وأشار إلى الصعوبات التي رافقت إنجاز هذا العمل، فبين أن جمع المواد استغرق قرابة ثلاثين سنة حيث “اضطر” للبحث في مراكز توثيق في فرنسا وبلجيكا وكندا، وقال انه لم يجد مواد توثق لمسيرة المناضلة بشيرة بن مراد في تونس، مما يدعو إلى الاستغراب فكيف يخلو الأرشيف الوطني من مسيرة مناضلة في قيمتها، لو لم يكن لأسباب سياسية وفق قوله.

ومن مزايا هذا العمل الوثائقي-الروائي هو تعريف جيل الشباب برائدة النضال النسائي الوطني بشيرة بن مراد، ابنة الشيخ محمد الصالح بن مراد الذي حرص على تعليمها وتكوينها تكوينا شاملا بجوانبه الدينية والعلمية والادبية، وكانت تتلقى دروسا في الامنزل رفقة أخواتها، كما تلقت تكوينا في العزف على آلة البيانو.

ويسلط الفلم الضوء على جوانب من مسيرة مناضلة شرسة دافعت باستماتة كبيرة عن حقوق المرأة في التعلم وفي النشاط السياسي ودفعت باهضا ثمن تشبثها بحقوق الوطن ووقوفها في وجه المستعمر. كما كشف عن جوانب قد لا يعلمها كثيرون من ذلك صدامها مع الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة، الذي جمد نشاطها بعد الاستقلال وحاول “طمس مجهوداتها”، وفق الفيلم، وهي التي كانت سباقة في الدفاع عن المرأة حيث أسست الاتحاد الإسلامي النسائي في تونس (1936) كما أسست له فروعا في عدد من الجهات، علاوة على تأسيسها لفروع مدارس البنات وفروع الكشافة، وكانت تنظم مظاهرات وتشارك في حملات تبرعات خيرية.

وجاء على لسان ابن شقيقتها أن بورقيبة عرض عليها الزواج قائلا “أنا زعيم الرجال وأنت زعيمة النساء، فلما لا نتزوج ؟ ” لكنها رفضت، ولم ينس لها ذلك في ما بعد خاصة وقد طالبت بالمساواة بين المرأة والرجل في النشاط السياسي وتحمل المسؤوليات، لكن بورقيبة كان يرى أن الوقت لم يحن بعد لذلك، وشيئا فشيئا تم استبعادها، وأنهت حياتها في حالة ضنك لا تليق بنضالاتها وبكل ما قامت به من أجل المرأة التونسية ومن أجل الوطن، رغم أنها كانت أول من أدخل بورقيبة إلى قصر الباي وعرفه به وفق ما جاء في شهادة سلوى باي ابنة الأمين باي.

وتضمن الوثائقي أيضا عدة شهادات لكل من الطيب الزهار وعبد الفتاح مورو وزكرياء بن مصطفى وأحمد بن صالح ونعيمة بن حمودة وآسيا غلاب ومعز القروي الى جانب الطاهر بن مراد أحد أشقاء المناضلة الراحلة، وعبد الحق لسود الذي أهدى المخرج هذا العمل لروحه.

واختار المخرج ممثلتين لتجسيد دور “للا بشيرة” كما يحلو لأصدقائها ومريديها مناداتها، هما الممثلة القديرة حليمة داود والممثلة الشابة انتصار البرهومي التي جسدت دور بطلة الفيلم في سن الشباب، إلا أن هذا الاختيار للممثلة الشابة لم يكن موفقا بالشكل الكافي، خاصة للاختلافات الجوهرية في الشبه بين الشخصيتين على مستوى ملامح الوجه.

ومن النقاط السلبية اللافتة للانتباه في هذا العمل هو ظهور عطور عالمية معروفة في عصرنا الحالي، حين كانت “للا بشيرة” تتجول في سوق العطارين بالمدينة العتيقة” زمن الأبيض والأسود، وهو ما يستوجب من المخرج مراجعته.

وإلى جانب استعمال الأرشيف (صور وفيديو) اعتمد المخرج على لقطات مصورة فيها ما هو بالأبيض والأسود تعود الى الثلاثينات وإلى غاية الستينات وفيها ما هو بالألوان حيث ظهرت صور الثورة التونسية، وتحركات الشارع التونسي، وصولا إلى البرلمان وتوقيع الرئيس الاسبق المنصف المرزوقي على دستور 2014.

وقد ظهر طيف المناضلة بشيرة بن مراد وهي في أرجاء البرلمان، محاطة بنائبات الشعب وكان جلّ من اختار المخرج تمرير صورهن، من حركة النهضة، في لقطة تحمل الكثير من المعاني وقابلة لكل التأويلات. فقد يفهمها البعض على أن دفاع بشيرة بن مراد عن المرأة المسلمة قد أتى أكله، وهاهي المرأة المسلمة المحجبة تصل الى البرلمان الذي طالما طالبت بشيرة بن مراد بتأسيسه، ودافعت عن وجود المرأة في مواقع القرار، إلا أن البعض الآخر اعتبر أن بشيرة بن مراد كانت تدافع عن المرأة التونسية في المطلق لا عن المرأة المحجبة بالذات حتى يختار مخرج ومنتج وكاتب سيناريو العمل المنتميات لحزب سياسي بعينه، ويتخيل أن المناضلة بشيرة بن مراد تعبر عن ارتياحها الشديد لذلك وتعتبر أن حلمها قد تحقق.

وقد عبر عدد ممن تابعوا الفيلم، لدى خروجهم من قاعة العرض عن امتعاضهم من بعض ما جاء في الفيلم وخاصة المشاهد الأخيرة منه. وقال أحدهم وهو مسؤول سابق زمن حكم بورقيبة أنه سيطلب من المخرج إعادة النظر في بعض المشاهد التي وردت في نهاية الفيلم. وقال البعض الآخر إن ما ورد في الفيلم من شهادات غير محايدة معتبرين أنها موجهة من قبل مخرج العمل، مما ينفي عن الفيلم صفة الوثائقي وفق تقديرهم معتبرين أنه يحمل الكثير من الذاتية، ولا يتميز بالموضوعية والنزاهة. وذهب آخرون إلى أن عدم حصول الفيلم على دعم من وزارة الشؤون الثقافية، قد يكون مرده الانتباه لهذه النقاط عند عرض السيناريو.

وبين الاستحسان والاستهجان يظل هذا الفيلم لبنة هامة قد تكون كشفت عن جوانب خفية من سيرة كانت “شبه محرمة” في زمن مضى، تتعلق بالمناضلة بشيرة بن مراد (1913- 1993 )، ولكن الأكيد أن زوايا أخرى من حياتها لا يعرفها سوى أفراد العائلة أوبعض المقربين منها، ومع تتالي عرض هذا العمل ومناقشته، قد تتضح الحقائق أكثر.

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    ^ TOP