الجديد

ما بعد 3 جوان: التعايش المستحيل .. الغنوشي “يعتذر” وخصومه يخططون لإزاحته من “عرش باردو”

هشام الحاجي

يبدو أن جلسة ” الساعات الطويلة ” التي شهدها مجلس نواب الشعب يوم الأربعاء الماضي ستطبع عمل السلطة التشريعية في الدورة الحالية و أنها قد تشكل منعرجا سياسيا له تداعياته و انعكاساته على عمل مجلس نواب الشعب و على المشهد السياسي بشكل عام.

الغنوشي يعتذر وخصومه يرفضون

ذلك أن كلمات ” الاعتذار ” التي أنهى بها رئيس مجلس نواب الشعب راشد الغنوشي أشغال جلسة امتدت إلى فجر اليوم الموالي و حرصه على أن ينزل وقائعها ضمن إيجابيات تجربة الانتقال الديمقراطي لم تكن كافية لإشباع رغبة ” خصومه البرلمانيين” في الاكتفاء بما يعتبره بعض المتابعين انتصارا معنويا حققوه من خلال “مساءلة صارمة ” لرئيس حركة النهضة.

حرصوا فيها على أن تمتزج المحاسبة السياسية باستهداف شخصه و فرضوا عليه و على نواب حركته الاكتفاء بموقع الدفاع و امتصاص هجوم لم يسبق للمؤسسة التشريعية أن شهدت مثله.

لكن تصريحات رموز جبهة ” المساءلة و سحب الثقة ” مباشرة بعد الجلسة أشارت إلى أنها ستعيد الكرة و ستتقدم مرة أخرى بمبادرة لازاحة راشد الغنوشي من رئاسة مجلس نواب الشعب و هو ما يطرح أكثر من سؤال.

ذلك أن المنطق يفرض أن نهاية الجلسة الفارطة قد أغلق ملف ” التجاوزات ” التي قام بها رئيس مجلس نواب الشعب في علاقة بالموقف من الوضع في ليبيا و أيضا العلاقة مع تركيا رجب طيب اوردوغان إذ أقر راشد الغنوشي بأنه أخطأ و تعهد بعدم تكرار الخطأ.

لا شك أن المنطق يفرض عدم المحاسبة على نفس الهفوة مرتين و أن “جهاز قيس أخطاء ” رئيس مجلس نواب الشعب قد عاد إلى نقطة الصفر و كل تمش مخالف لذلك يضع الأمر في منطق الاستهداف الشخصي الذي سيزيد في تعطيل أداء مجلس نواب الشعب و في توتير الأجواء داخله خاصة و أن وقائع جلسة ” الساعات الطويلة ” قد كشفت أن إمكانية دخول مرحلة تبادل العنف اللفظي بين النواب قد أصبحت واردة.

النهضة تتحرك على جبهة الحكومة

علاوة على أنه من الوهم الإعتقاد أن حركة النهضة ستقبل بأن يحشر رئيسها في الزاوية مرة أخرى و ما رفضها  التوقيع على وثيقة ” التضامن و الاستقرار ” الحكومي إلا رد فعل أولي قد تعقبه ردود سياسية أخرى من الممكن أن تصل حد الإنسحاب من حكومة إلياس الفخفاخ و الدفع في إتجاه إنتخابات تشريعية سابقة لاوانها.

و هو ما يعني أن حكومة إلياس الفخفاخ قد تكون أول من يدفع ثمن ما وقع يوم الإربعاء الماضي إذ لم تقبل حركة النهضة اصطفاف حركة الشعب وراء مبادرة الحزب الدستوري الحر و أخذت تدفع أكثر في إتجاه استبعاد هذه الحركة من الحكومة و تعويضها بحركة ” قلب تونس ” .

مهما كان تفاعل إلياس الفخفاخ مع “ضغوط” حركة النهضة فإن ذلك سيؤثر على حكومته و سيزيد بكل تأكيد في متاعبها و هي التي تواجه انكماشا اقتصاديا غير مسبوق و ملامح احتقان اجتماعي قد يتحول إلى حراك احتجاجي يزيد الوضع تعقيدا.

لا شك أن وقائع جلسة ” الساعات الطويلة ” قد منحت عبير موسي انتصارا معنويا هاما. ذلك أنها قد تعودت منذ التحاقها بمجلس نواب الشعب على استهداف حركة النهضة و خاصة رئيسها راشد الغنوشي و لكن عدة اعتبارات كانت تجعلها تؤدي هذا الدور معزولة و ” في شبه حصار ” من الأحزاب الأخرى و لكنها استطاعت هذه المرة أن تضع ” خلفها” كتلا أخرى و هو ما يمثل ” اختراقا” هاما حققته عبير موسي لبيقي السؤال عن مدى قدرتها على الحفاظ على هذه ” الجبهة “.

و بالتالي على تقديم تنازلات من شأنها أن تؤدي إلى ما يشبه الأرضية السياسية لما أعيد تسميته مرة أخرى ” العائلة الحداثية الوسطية التقدمية ” و التي ظلت لحد الآن في مستوى الشعار و التطلع أكثر منه في مستوى البرنامج و الإنجاز.

حسابات قيس .. والوضع في ليبيا

لا يمكن التوقف عند تداعيات جلسة ” الساعات الطويلة ” دون الإشارة إلى قيس سعيد ” الغائب/ الحاضر” في هذه الجلسة التي يصب مستوى النقاش المتوتر فيها في طاحونة رئيس الجمهورية الذي يقوم برنامجه السياسي على ” نسف ” الأسس القانونية التي يقوم عليها المجلس الحالي و الذي سيستفيد في صراع الرئاسات الصامت من الضربة المعنوية التي أصابت صورة راشد الغنوشي و من ” الارتباك ” الذي خلقته الموجات الارتدادية عند إلياس الفخفاخ.

و هو ما سيفرض عليه الاحتماء أكثر بعباءة رئيس الجمهورية الذي ترفع نتائج استطلاعات الرأي من معنوياته لأنه أكثر الشخصيات السياسية نيلا لثقة المواطن رغم أن وقائع جلسة يوم الإربعاء الماضي قد خلقت شرخا في ” الجبهة الرئاسية ” التي تتكون من حركة الشعب و حركة التيار الديمقراطي ليبقى السؤال عن حجم هذا الشرخ و مجال تداعياته و أيضا عن قدرة كتلة حركة الشعب على الحفاظ على تماسكها في ظل نشاط كبير تشهده كواليس مجلس نواب الشعب في عمليات استقطاب و استقطاب مضاد يطال أغلب الكتل البرلمانية.

في إطار البحث عن توازنات جديدة و أطر انتماء أخرى استعدادا للمستقبل و في ظل ما تعيشه بعض الأحزاب كتحيا تونس و قلب تونس و المجموعة التي يتزعمها حسونة الناصفي من نقاشات.

لا شك أن كل هذه التفاعلات تقع على ارضية واقع إجتماعي متحرك و قد تكون له مفاجأته و خاصة في سياق تحولات إقليمية متسارعة و تحولات يومية تعيش على وقع ايقاعها المؤلم الشقيقة ليبيا.

و قد ربط الفاعلون في مجلس نواب الشعب عن وعي او عن غير وعي جانبا كبيرا من مصيرهم بالمسرح الليبي و هو ما يعني أن من يملك القراءة الصحيحة للمشهد الليبي و بعض مفاتيحه الحقيقية قد يكسب أهم المعارك السياسية في تونس.

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    ^ TOP