الجديد

نبيل القروي .. "الشعبوية تتحزب" !

منذر بالضيافي
في رده السياسي والقانوني، على التعديلات التي أدخلت مؤخرا على القانون الانتخابي، التي أعدت لاقصائه من المنافسة على الاستحقاق الانتخاب المقبل، بسبب اتهامه بتوظيف النشاط الجمعياتي الخيري، والاشهار السياسي، وفي محاولة واضحة للالتفاف علي التعديلات المثيرة للجدل ، أعلن نبيل القروي، اليوم الثلاثاء 25 جوان 2019، عن ترأسه لحزب “قلب تونس”، الذي كان سابقا تحت مسمى حزب “السلم الاجتماعي التونسي”.
ان هدف  القروي من وراء التنظم في حزب قانوني، هو ابطال الحجة التي كانت وراء التعديلات على القانون الانتخابي، التي ما تزال تواجه صعوبات ومطبات كبيرة، يتوقع معها وجود فرضية كبيرة بأن يتم اسقاطها، بالنظر لعدم دستوريتها وهو رأي غالبية المختصين في القانون الدستوري، فضلا عن كونها مرفوضة سياسيا وأخلاقيا، وهي التي تستهدف تغيير قوانين اللعبة أيام قليلة قبل انطلاقها، وبالتالي فان تمريرها سيمثل “ضربة موجعة” لمسار الانتقال الديمقراطي.
لكن، هل أصاب القروي في اختياره في الانتقال من النشاط الجمعياتي الذي وصف ب “الشعبوية” (“خليل تونس”) الى العمل السياسي القانوني الحزبي (“قلب تونس”)؟ وهل أن هغادرته لدائرة “الشعبوية” الى “التحزب” في صالحه أم أن أنها ستدخله في أتون الصراع السياسي الحزبي الفاقد “للمعنى والحس”، كما يقول ابن ابي ضياف في كتاب “الاتحاف” وبالتالي تعطل “مشروعه السياسي”؟
ان صعود “نجم القروي”، مرده الاشتغال من خارج المنظومة السياسية التقليدية، من خلال بوابة العمل الخيري والاجتماعي، الذي أهملته دولة ما بعد الثورة، مستفيدا في ذلك من “ماكينة” اعلامية “جماهيرية” فاعلة ومؤثرة  (قناة نسمة، برافيديها : “المباشر” و “المسلسلاتي”).
هذه القناة، التي نجحت في ابراز “عيوب” المنظومة الحاكمة والتشهير بها، فضلا عن كسب حزام شعبي لصاحبها، اساسه جمهور المسلسلات التركية المدبلجة، التي تحولت الى مادة ثقافية وترفيهية لقطاع واسع من العائلات التونسية، برز ذلك من خلال حجم التعاطف الكبير مع “نسمة تي في”، بعد اقدام السلطات على غلق القناة بالقوة العامة.
ما أقدم عليه نبيل القروي، من الانتقال من النشاط الاجتماعي والسياسي، الغير منظم ومؤطر ضمن حزب سياسي، وفق ما تقتضيه الممارسة السياسية التقليدية، الى العمل السياسي المنظم والقانوني، من خلال “حزب سياسي”، معلوم العنوان والهوية وخاضع لقوانين اللعبة السياسية، برأي هو بمثابة “مقامرة” غير مضمونة النتائج والعواقب.
ذلك أن عنصر “قوة القروي”، التي ترجمت من خلال تصاعد في شعبيته، وفق ما أكدته نتائج متطابقة لعمليات سبر الآراء، مردها اشتغاله من خارج المنظومة التقليدية أو من خارج “السيستام”، وهنا نفهم تصنيفه ضمن التيار “الشعبوي”، ما سيجعل من مغادرة هذا التيار والاندماج ضمن “منظومة “السيستام” عملية ترتقي لمصاف “المقامرة، مثلما سبق وأن اشرنا.
بإعلانه عن تكوين حزب ورئاسته، يكون “ولد القروي”، قد عاد لإكراهات “السيستام”، التي برأينا لم يغادرها، فهو برغم نشاطه “الشعبوي” لا يمكن المجازفة بتصنيفه ضمن ما يعرف ب “التيارات الشعبوية”، من هنا فانه عاد لحضيرة “السيستام”، التي لا تلاقي قبولا واستحسانا من عامة الناس، الذين يلهثون وراء “التغيير” الحقيقي، الذي لا يرونه الا عبر القطيعة مع المنظومة السياسية الحالية، التي أصبح صاحب “خليل تونس” جزءا منها، بأحزابها سواء التي في الحكم أو التي خارجها، بمجرد امتلاكه ل “باتيندا” حزبية.
كما أنه وباختيار “الشعبوية” الذهاب نحو “التنظم” السياسي، في شكل حزب ولد هكذا فجأة، أو بالأصح تم “استئجاره” من الغير، دون الاستجابة لأدنى الشروط التاريخية لبناء “الحزب السياسي”، هذا الذي لقبه الفيلسوف الايطالي أنطونيو غرامشي ب “الأمير الحديث”، يجعلنا نتوقع أن يواجه  “قلب تونس” صاحب الولادة “المفاجئة” صعوبات و “مطبات”، قد تجعل نبضاته لا تساير نبضات الشارع، ولا انتظارات عموم التونسيين، وهو السيناريو الأقرب، بالنظر الى الارث المتأزم للثقافة السياسة وللحياة الحزبية خاصة.
كما لا يجب أن ننسى، وجود “تخوفات”، لدى جزء كبير من النخب، من الممارسة السياسي لنبيل القروي الى حد الان، التي يرون أنها قريبة من سلوك وممارسة المنظومة الحاكمة الحالية، في النزعة نحو “الاستفراد” و “الهيمنة” على المشهد، متسلحا بالمراهنة على “شعبية” يرون أنه متغيرة وغير مضمونة.
في الأخير، لو استطاع نبيل القروي حسم المسألة القانونية وتجاوز قانون الاقصاء، واقرار الانتخابات في موعدها، فانه من المرجح أن يكون من أكبر المستفيدين، أما اذا تأجلت الانتخابات – وهو سيناريو وارد وبقوة – فان ذلك يعني أن الصراع السياسي لم يحسم، ويعني أننا ننتظر جولات قادمة، وربما فاعلين جدد، في مشهد سياسي ومجتمعي وكذلك دولي متحرك.

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP