الجديد

هشام الحاجي يكتب: "قيس سعيد .. تكلم دون ان نراه"

كتب: هشام الحاجي
يصعب ان يمر الحوار الذي ادلى به المرشح للانتخابات الرئاسية اول امس للتلفزة الوطنية مرور الكرام لأنه يتنزل في سياق زمن انتخابي تحيط به عديد التساؤلات و لان قيس سعيد قد اختار عمليا ما يمكن اعتباره وضع مسافة بينه و بين الاعلام الوطني تصل الى حد القطيعة .
يخطئ من يتصور ان اختيار القناة الوطنية و اول امس هو اختيار اعتباطي بل له “معقوليته” التي تعود الى شعور قيس سعيد و فريقه ان موقفه من وسائل الاعلام التونسية قد تحول الى عامل احراج بالنسبة له خاصة بعد ظهوره في قناة “الجزيرة ” و الى انه اراد ضمنيا مزيد تغذية الخلاف بينه و بين القنوات الخاصة التي رفض النزول ضيفا على برامجها  فلم تجد من حل الا حشره في “الزاوية “.
التطرق لبعض جوانب حوار قيس سعيد في القناة الوطنية لا يهدف الى “التحامل ” عليه او الى “الانتصار” له بل هو اهتمام موضوعي بمرشح لتولي واحدة من اهم المناصب السياسية في البلاد رمزيا و دستوريا و واقعيا .
لا شك انه لا يمكن التفاعل مع ما قاله قيس سعيد دون الاشارة الى ما يعتبر الاسس التي تقوم عليها استراتيجيته الاتصالية التي تقف على نقيض عدد كبير من الذين ترشحوا للانتخابات الرئاسية .
فقد اختار قيس سعيد “التقشف الاتصالي” في الوقت الذي اتجه اخرون لما يمكن اعتباره “تبذيرا اتصاليا ” و تبنى منهج “تغذية الغموض” حول برنامجه و فريقه في الوقت الذي اعتبر اخرون انه من الضروري اغراق الناخبين في ابسط التفاصيل .
تغذية الغموض، تحولت في ظل فتور العلاقة بين الراي العام و وسائل الاعلام و الاتصال، و تراجع مصداقية الطبقة السياسية، الى ما يمكن اعتباره عنصرا من عناصر النجاح، لان الغموض يلعب حسب الباحثين في علم النفس الاجتماعي،  دورا اهم من الافصاح و “التعرية “،  في جذب الانتباه و في تنمية الرغبة في المتابعة.
و ليس من باب الصدفة في هذا السياق ان المترشحين الاقل كلاما و ظهورا في الدور الاول و هما قيس سعيد و تبيل القروي و ان كان ذلك لأسباب مختلفة هما اللذان نجحا في المرور الى الدور الثاني .
والاشارة الى نبيل القروي تحيل الى سبب اخر من اسباب “تلقف” قيس سعيد لدعوة التلفزة الوطنية و تتمثل في “اخذ اسبقية اتصالية ” على منافس رهين السجن و هو ما يؤثر على حظوظه و على تكافؤ السياق بين المتنافسين .
و رغم انه قد عبر عن “الانزعاج ” من هذه الوضعية فان قيس سعيد لم يكلف نفسه عناء ذكر منافسه بالاسم و هو ما افقد هذا “الانزعاج” كل ابعاده الانسانية و جعله مجرد رفع للعتب.
و لو ان قيس سعيد لم يشر بالاسم الى اي منافس او مؤيد او مسؤول في الحاضر او المنافس و هو ما يضعف التفاعل الانساني مع المتكلم بالنسبة للمتلقي و قد يكون تمحورا لا وعيا و مبالغا فيه حول الذات و هو احتمال يعززه تأكيد قيس سعيد على انه ليس في تنافس مع احد.
هذا التأكيد لا يحتمل الا تفسيرين: الاول نفسي و يتمثل في انه يعتبر نفسه اما فوق منافسيه و ارقى منهم او انه في قرارة نفسه يخشى المنافسة، و التفسير الثاني فهو سياسي و فيه رفض لمنطق الديمقراطية التي تقوم على تنظيم التنافس المعلن و الواضح على المهام السياسية بواسطة الانتخاب .
هذا الرفض ينجر عنه من الناحية المنطقية رفض لشرط من شروط التنافس الديمقراطي و هو وجود برامج متناقضة لمستقبل المجتمع. من الممكن بل و الضروري رفض الوعود الانتخابية و “بيع الاوهام للناخبين و الناخبات ” و لكن ان يصل ذلك الى حد ما يشبه الافتخار بانعدام البرنامج فهذه “سابقة ” لا نتصور انها لن تكون محل استغراب المتابعين و الملاحظين .
ان التفصي من البرنامج و التعهدات السياسية و الاكتفاء بشعارات فضفاضة هدفها مداعبة الراي العام في الاتجاه الذي يرضيه قد جعلت قيس سعيد اشبه ما يكون بالمترشح الذي ينظر لترشحه كعبء سيلقي يه للشباب الذي سيتولى اتخاذ القرارات التي يريد .
قد يكون قيس توفق في تشخيص حالة الاحباط التي اصابت قطاعات واسعة من الراي العام خاصة من الشباب و في المناطق الداخلية و لكنه اكتفى بالتشخيص في حين ان السياسي مدعو لرسم طرق و وضع سياسات و هو ما جعل كلامه مجرد شعارات عامة يمكن ان تغري انتخابيا لكنها غير منتجة سياسيا .
يبدو قيس سعيد لحد اليوم اشبه بمترشح يرتدي طاقية الاخفاء و اذا كان القدامى قد اعتبروا ان الكلام يجعلنا نرى المتكلم لأننا نفهم بعض او كل ما يريد فان قيس سعيد تكلم و لكننا لم نره لأنه تبنى مقولة “جعل الكلام لنخفي ما نريد “.

هشام الحاجي [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    ^ TOP