أحمد نجيب الشابي يكتب عن “ثمن” الحجر الصحي والحلول البديلة له
نشر السياسي المخضرم ، أحمد نجيب الشابي في صفحتة على موقع التواصل الاجتماعي تدوينة، تحت عنوان “”إذا اردت أن تطاع فاطلب المستطاع”، تطرق فيها الى ثمن خيار فرض الحجر الصحي، والحلول البديلة عنه لاستعادة النشاط العام وخاصة الاقتصادي، مشيرا الى أن عدد من دول العالم ، بدأت تفكر في ايقافه واللجوء لبدائل أخرى في مقاومة فيروس الكورونا، دون الاستمرار في “سجن” الناس في بيوتهم.
في ما يلي نص التدوينة:
“تدخل البلاد اسبوعها الثالث من الحجر الصحي. الحجر الصحي ليس عصا سحرية للتغلب على الفيروس ، وانما هو وسيلة لتعطيل انتشاره.
بلدان عديدة لم تلجأ اليه: كوريا، سنفوره، تايوان، المانيا، السويد الخ. هذه البلدان اعتمدت وسائل أخرى متعددة ومتظافرة: التحاليل المخبرية الواسعة النطاق، الارتداء الاجباري للقناع الواقي، احترام المسافات الاجتماعية، تجهيزات صحية متطورة وتفي بالحاجة.
الحجر له ثمن، وثمنه توقف الاقتصاد وما يقتضي ذلك من إجراءات عمومية لإسعاف الأسر والمؤسسات، حفاظا على الإنتاج وموطن الشغل. وهي تكلفة لا تقدر عليها الدول الا باللجوء الى الاقتراض والى سياسة نقدية متسامحة تسلكها البنوك المركزية.
تونس كغيرها من البلدان النامية لا تملك كلفة هذا الحجر: فحجم المديونية مرتفع وشروط التداين الخارجي مشطة، ومصاعب في التصدير بسبب تراجع الطلب الخارجي، وتراجع في الاستثمار الخارجي المباشر، وتعطل للقطاع السياحي، الخ.
حتى البلدان التي قررت الحجر، مثل فرنسا، بدأت تلوح برفعه وتحضر للاستعاضة عنه بوسائل أخرى بلغت حد التفكير في اللجوء الى الرقابة الالكترونية عل المواطنين عبر هواتهم النقالة، وما ينطوي عليه ذلك من تهديد للحرية التي قامت عليها هذه المجتمعات.
لم ينجح الحضر في تونس الا بنسب لا تحقق أهدافه، واضطر الناس من الفئات الهشة الى الخروج من البيوت بحثا عن قوت يومهم، ولا غرو في ذلك فالظاهرة تدرك بلا عناء وهي مشتركة بين كل البلدان النامية.
المطروح اليوم اذن التحضير لاستراتيجية الخروج من الحجر. ومن عناصر هذه الاستراتيجية:
– تحديد الحاجيات الملحة لمستشفيات الصحة العمومية وإعطاء الأولوية القصوى لتوفيرها في اقرب وقت
– توفير المخابر لإجراء التحاليل بالآلاف يوميا، قصد رصد الفيروس ومحاصرته
– إقرار اجبارية حمل القناع وتوفيره لكافة المواطنين بأسعار ميسرة
– اشراك جمعيات المجتمع المدني في تأطير المواطنين وحثهم على احترام المسافات الاجتماعية وقواعد الصحة.
– الحفاظ على السلم الاجتماعية بتوزيع المؤونة مجانا على كل العائلات المحتاجة وبالاعتماد على المسالك التجارية الموجودة في الاحياء
– الحفاظ على المؤسسات ومواطن الشغل بوضع القرارات التي اتخذتها الحكومة في هذا المجال موضع التنفيذ
ولا يمكن الاعتراض على هذه المحاور بقلة ذات اليد، فكل البلدان تواجه نفس التحدي لأنها لم تتهيأ له. جميع الخبراء الدوليين يجمعون على ضرورة تأجيل دفع ديون الدول النامية مدة الازمة، دون فوائض إضافية. وصندوق النقد الدولي ذاته وضع خط تمويل على ذمة هذه البلدان، وقد تحصل المغرب بعد على قرض بثلاث مليارات دولار هذا الأسبوع سوف يخصصها بالكامل لمواجهة آثار وتداعيات الأزمة.
هذه التسهيلات ليست صدقة ولا هي تعبير عن تعاطف انساني سخي، بل هي من مقتضيات الحفاظ على النظام الاقتصادي العالمي والتحوط من خطر انفجارات اجتماعية قد تفتح على الفوضى في أكثر من بلد.
والى ذلك كله يبقى اللجوء الى البنك المركزي كي يسلك سياسة نقدية متسامحة، تتماشى مع مقتضيات الظروف الراهنة، فكل البلدان، النامية منها والمتقدمة، تجمع على ضرورة مثل هذه السياسة النقدية ديدانها في ذلك: “إذا كنت في حرب، فعليك كسبها، أما إعادة الإعمار فأمر مؤجل الى ما بعد النصر”.
وكسب المعركة يعني اليوم الحفاظ على الحياة وعلى المؤسسات ومواطن الشغل وعلى حد أدنى من الدخل يحفظ الاستقرار الاجتماعي.
نحتاج من الحكومة أن تخرج علينا بسياسة تطمئننا وتعبأ طاقاتنا، لا نحتاج لبيانات عن عدد الإصابات والوفيات اليومية فقط أو إلى إجراءات جزئية مفككة تصدر في بيان باهت عن مجلس الوزراء، بل نحتاج الى زعامة سياسية ميدانية، تقود المعركة على مختلف الجبهات، بشفافية ومن خلال حضور اعلامي مستمر، لأنه الوسيلة الوحيدة لتوحيد قلوب الناس وقيادتهم الى النصر”.
Comments