الجديد

أزمة الحكم في تونس .. عجز النخب وضيق افقها السياسي  

المهدي عبد الجواد

لم يعُد جديدًا، الحديثُ على الأزمة السياسية والمؤسساتية الخانقة التي تُعانيها تونس. فكلّ المُتابعين للشأن التونسي، في الداخل والخارج، وشُركاء تونس الدوليين يقفون عند “اختناق” سياسي يدوم منذُ اكثر من سنة. بل إن بعض المُتابعين النبيهين، حذّروا من دخول تونس في “مأزق” سياسي منذ ما قبل انتخابات 2019، وأكدوا عليها مباشرة بعد خروج نتائجها.

ونحنُ إن كُنّا نعتبرُ إن الأزمة السياسية التي تعيشها تونس، هيكلية، تمسّ أصلا “طبيعة النّخبة” السياسية والحزبية والمدنية التي تصدّت للحُكم بعد الثورة، فإن تعمّق الأزمة يعود أساسا إلى غياب الرؤيا عند الفاعلين السياسيين وضيق أفقهم السياسي واكتفاء أغلبهم بإعادة إنتاج نفس التصورات والمنظومات العلائقية لما قبل الثورة، من حرص على المصالح الذاتية وبناء شبكات زبونية وانتداب للأتباع الفاشلين عديمي الكفاءة مقابل استبعاد الكفاءات، ونشر ثقافة الارتزاق السياسي والانتهازية ومنطق الغنيمة.

تميّزت مرحلة “الانتقال الديمقراطي” بمدّ هائل من التجريب السياسي. فغياب رؤيا واضحة لدى السياسيين، وافتقار الأحزاب السياسية إلى برامج حُكم وعجزها على الخروج السريع من جبّة المعارضة الاحتجاجية إلى “أناقة الحُكم” طبع هذه المرحلة بشعار تونسي قوامُه “دِزْ تَخْطِفْ”.

هذا السلوك السياسي التجريبي أدّى إلى إتخاذ مواقف “متناقضة” في فترات مُتقاربة. ويكفي ان نعود لمتابعة المواقف الحزبية السياسية من “طبيعة الحكومة” حتى نُدرك ان أحزابنا تعيش بمنطق “كل ساعة وعلمها”.

لقد حاولت حركة النهضة بُعيد انتخابات 2019، تشكيل حكومة سياسية. واختارت السيد الحبيب الجُملي ودفعته إلى تكوين حكومة “تستجيب للمزاج الانتخابي العام” بما كان يُقصدُ به “الحزام السياسي الثوري”. ولكنها سرعان ما دفعته إلى تشكيل حكومة كفاءات مُستقلّة.

لتعود مع الياس الفخفاخ إلى حكومة سياسية تقوم على نتائج الانتخابات “نهضة وتيار وشعب وتحيا تونس، ولتقوم بدفعه إلى الاستقالة، ولتقبل بحكومة كفاءات مستقلّة بقيادة هشام المشيشي والذي تدفعه يوميا نحو التخلي على “تكنوقراطيته” ليُصبح قائد حكومة سياسية.

في فترة لم تتجاوز السنة والنصف لعبت النهضة على كلّ حبال الحكومات، ومثلها تماما رئيس الجمهورية. يتغيّرُ الموثق من طبيعة الحُكومة اذن بحسب المصلحة السياسية وليس محكوما بتصور شامل لطبيعة الحكومة من جهة مهامها وأدورها وطبيعة التحديات المطروحة عليها.

إن تعاقب الحكومات السريع في فترة قصيرة، إذ لم نتجاوز بعد نصف العُهدة البرلمانية وشهدنا ثلاث حكومات وقريبا نمرّ إلى الرابعة دون أدنى ضمانات بكونها ستكون الأخيرة، أدى إلى نوع من الضبابية في المشهد السياسي. فباستثناء “الدستوري الحُرّ” المُعارض أصلا لكل المنظومة، فإن باقي الكُتل والأحزاب السياسية لا تلتقي إلا لتفترق، ولا تتخاصم إلا لتتحالف من جديد.

فالصوت العالي الذي تُصدره حركة الشعب وحزب التيار الديمقراطي وحتى كُتلة الإصلاح مؤخرا، يظل “صراع حلفاء” حول مغانم السلطة. فكلهم كانوا شركاء في الحُكم معا، بل إن كتلة الإصلاح شريك حاليا. ولا يُمكن ان نُصنّف ما يحصل بينهم الا في باب “النفاق السياسي”، ناهيك ان أخبار الكواليس تتحدّث على مفاوضات جديدة لتشكيل حكومة سياسية قد ينضم اليها تيّار من التيار ومن كتلة الإصلاح.

 

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    ^ TOP