الجديد

أمنة الجبلاوي تتحدث عن نشاطات “المعهد الدولي للإنماء الإنساني IHD” وعن تحوله قريبا الى مركز للبحوث الاستشرافية

تونس- التونسيون

سمحت الثورة التونسية للكثير من التونسيات والتونسيين بالانخراط في الشأن العام، سياسيا ومدنيا. ووجد نُشطاء المُجتمع المدني فضاء الحرية رحبا لتكوين جمعيات وتأسيس مراكز ومراصد ومعاهد تُعنى بنشر الثقافة الديمقراطية وقيم المواطنة والدولة المدنية. وبعد عشر سنوات من هذا الحماس الذي مسّ عشرات الآلاف يبدو أن بعض هذه “المؤسسات” شرعت في التفكير في تقييم التجربة “المدنية” والبحث في سُبُل تطويرها. فالفرز الذي يعيشه “المُجتمع السياسي” يعيشُه بنفس الدرجة “المجتمع المدني”. أحد أهم هذه المؤسسات في تقديرنا هو “المعهد الدولي للإنماء الإنسانيIHD”، الذي تديره الباحثة والأكاديمية الدكتورة أمن الجبلاوي، المختصة في الحضارة الاسلامية والأديان، التي قدمت لنا في جلسة حوارية تفاصيل حول نشاط المعهد وافاق تطوره في المستقبل.

الإنماء الإنساني….عمل قاعدي

تؤكد الجبلاوي على أن المعهد عمل منذ تأسيسه على المساهمة في خلق شبكة من القيادات الشابة الجديدة في مجالات الأمن والسلام ومجابهة التطرف العنيف. هذه المهمة الجسيمة التي تصدى لها “المعهد” مكنته من بناء شبكة روّاد حقيقيين تحوّلوا بعد التدريب والتكوين إلى روّاد وسفراء لنشر ثقافة الاختلاف والسلام والتسامح وقبول الآخر.

وتضيف أنه مما يُحسبُ للمعهد هو إنكبابه على العمل في العُمْق، ففي الأحياء الشعبية الفقيرة حيث تتراكمُ أشكال الإقصاء والقهر والحرمان المادي والعاطفي والإنساني والقيمي، وتنتشر ثقافة العنف الفردي والأسري والاجتماعي والديني، استطاع معهد “الإنماء الإنساني” أن يُحيط بآلاف الشباب المُحبط وان يفتح لهم على الأمل أبوابا وان يقيهم من مخاطر الانحراف والسقوط في شبكات التطرف الديني والعُنف والجريمة.

وفي هذا السياق قالت مديرة المعهد أن المعهد تدخّل في “مناطق ساخنة” مثل حي التضامن والسيجومي والحرايرية والزهروني وحي هلال والملاسين والسيدة المنوبية مرورا بمنوبة وصولا الى غمراسن بتطاوين والبئر لحمر غيرها، لانجاز برامج ومشاريع تتجاوز الجوانب النظرية الضرورية لتعزيز قدرات المجتمع المدني ومشاركة المرأة ومقاومة التمييز من اجل تعزيز ملكات الوساطة والتحكيم وفض النزاعات بطرائق سلمية. فقد مست مشاريع المعهد حياة الشباب مباشرة.

كما ساهم المعهد في تهيئة فضاءات ثقافية وترفيهية، مثل “فضاء جلول” بمنطقة السيجومي في إطار  برنامج  معا وهي ساحة عمومية تمت تهيئتها لتكون فضاء بديعا يستقبلُ أبناء  الجهة ويُساعدهم على مُمارسة هوياتهم، وتدخّل في دعم أنشطة عشرات النوادي في المدارس التحضيرية والمعاهد في إطار نشر خطاب بديل ومضاد لمرويات التطرف العنيف. وهي معاهد تحتضن نشاطات نوادي المواطنة ومختلف أنشطة التلاميذ الثقافية والفنية، وساهم المعهد عبر هذه الشبكة في مساعدة الجميع وتوفير مستلزمات مختلف الأنشطة. كما أنجز المعهد دورات لتنمية مهارات الشباب في “مونتاج الفيديو” وتركيبه حتى يتسنى لهم لتحرير ملكات إبداعاتهم الفنية من جهة والمساهمة المواطنية في نقل تفاصيل حياة أحيائهم والتحسيس بها والمشاركة في نشر القيم والأهداف التي يروم المعهد نشرها، بما يُسهم في نشر ثقافة التسامح.

وتشدد الجبلاوي على أن المعهد ساعد شباب هذه الأحياء والقرى بواسطة ورشات عمل على الانطلاق في تنفيذ مشاريع تنمية مستدامة بهدف المساهمة في تنمية مناطقهم في إطار”مشروع معا”، وتم تدريبهم على كيفية كتابة فكرة مشروع وكيفية الحصول على تمويل، وتمّ خلال هذه الدورات التعريف بتفاصيل قانون الاقتصاد التضامني الاجتماعي وما يخلقه من فُرص لبعث المشاريع وتمويلها وضمان نجاحها.

وتتابع محدثتنا مشيرة الى ان هذه الأنشطة التي سهر عليها فريق المعهد تمّت بالشراكة مع مختلف المُتداخلين محليا ومركزيا وجهويا، وقامت على مبادرات عملية انطلقت من العمل القاعدي فغيّرت بشكل مباشر في حياة المُستفيدين منها وفي محيطهم ونظرتهم إليه وفي طبيعة علاقاتهم به.

من المواجهة .. الى الاستشراف

كما تعتبر امنة الجبلاوي بأن معهد الإنماء الإنساني حرص على التدخّل للمساهمة في تغيير حياة شباب المناطق المقصية. لذلك كان تدخله هادفا لتكوين مئات الشباب وتدريبهم على نشر خطاب السلام ونبذ العنف. لذلك كان التكوين المتواصل في إطار مشروع “مواطنون من اجل السلام”. ويبدو ان العمل الميداني للمعهد وتوسع مجالات تدخله وانتشارها جغرافيا، جعله يُعيد النظر في طرائق عمله، حتى تكون أكثر فاعلية ونجاعة في مقاومة العنف والتطرف وفي بناء الإنسان الجديد سفير السلام والمحبّة.

وتتابع الجبلاوي قائلة أن المعهد يروم الى توسيع مجالاته حتى يفتح فيها بابا آخر يتعلّق بمجالات البحث الاستراتيجي. إذ شرع في العمل على التحول الى “قوة عمل وأفكار” تقوم بتقديم قراءات جديدة لمقاومة العُنف وأشكاله الجديدة المُعولمة. لقد أضحى العالم والإقليم مسرحا لما بات يُعرفُ بــ “الحروب البديلة”، وهي حروب غير تقليدية وغير نظامية، تتجاوز الدول والتطرف المألوف ووقودها المُرتزقة والمجرمون العنيفون ممن لا جغرافيا ولا وطن لهم.

وبالنسبة للجبلاوي فان هذه التحولات الجوهرية في طبيعة العُنف والإرهاب وفي خارطة التطرّف، تخلق أنماطا من المشاكل لدى الفاعلين السياسيين لا قبل لهم بها. لذلك تسمحُ معاهد الدراسات الاستشرافية برصد استباقي لهذه الظواهر الخطيرة. وينوي المعهد تعميق اهتمامه بهذه الدراسات المستقبلية بشكل يوفّر به مادة أعمق ودراسات أكثر عقلانية وموضوعية لمشاكل الداخل ولكن خاصة لمشاكل الإقليم. فمنطقة المغرب العربي وبلدان جنوب الصحراء تحولت بفعل التحولات الجيو/إستراتيجية الى منطقة توتّر، بل ان دراسات كثيرة تقول إنها ستتحول الى مركز للصراع العنيف. وتونس اليوم في حاجة لهذا الجنس من الدراسات الاستباقية المستقبلية. وستسمح هذه الدراسات بخلق رؤيا وطنية شاملة للمستقبل. ويسعى المعهد الى العمل على تشبيك مراكز البحوث الإستراتيجية في تونس والمنطقة.

من المحلي .. الى الاقليمي

وكشف امنة الجبلاوي على أن معهد الإنماء الإنساني محكوم بالرغبة في التحول من العمل الجمعياتي الى العمل الاستراتيجي ومن الفضاء الوطني المحلي الى الفضاء الإقليمي الدولي. ويبدو من خلال هذا التوجه ان معهد الإنماء الإنساني، اختار العمل النافع والجدي دون اهتمام بالإعلام وبثقافة الصور التي تكاد تفتكُ بعمل المجتمع المدني. وهذا السعي للتحوّل من جمعية الى معهد دراسات استشرافية، وهذه الرغبة في توسيع دائرة الاهتمام من المحلي الوطني الى الإقليمي الدولي هو علامة على هذه الرغبة في تجديد الحقل المعرفي، ليس في تونس فقط بل في دول الجوار. فمجابهة انتشار ثقافة العنف والتطرف والإرهاب، لا يُمكن ان تتواصل بنفس الآليات والمقاربات القديمة على أهميتها. فبقدر ما غيّر “الإرهاب العنيف” من وسائله وأدواته وخطاباته وفاعليه يجب ان تتغيّر بالمثل سُبُل مجابهته. ان الحروب البديلة تتطلب مواجهة بديلة، من شأنه “عولمة المقاومات”، وهذا امر لا تقوم به الا معاهد دراسات مستقبلية.

وبقدر نجاح معهد الإنماء في مقارباته ومشاريعه في مواجهة العنف محليا ووطنيا، فان خبرته وعُمق التكوين الاكاديمي لمديرة المعهد الدكتورة آمنة الجبلاوي ستكون خير ضمان في هذا التحول الكبير. مجال معرفي وأكاديمي هو الذي كان خير أرضية لإنجاح نشاطات المعهد في الماضي وفي توفير شروط نجاحه في المستقبل.

 

 

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    ^ TOP