أمير قطر في تونس .. خفايا وحقائق حول الدعم القطري للإسلام السياسي
منذر بالضيافي
أثارت تدوينة للقيادي في حركة النهضة رفيق عبد السلام، مرحبة بزيارة أمير قطر لتونس، ردود أفعال رافضة وناقدة لدى نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك)، تدوينة رحب فيها بأمير قطر تميم بن حمد آل ثاني الذي يؤدي زيارة رسمية الى تونس بدعوة من رئيس الجمهورية قيس سعيد.
و توجه رفيق عبد السلام بالشكر لدولة قطر على “وقوفها الى جانب تونس، رغم توالي الحكومات، سواء بالاستثمار، او بتوفير مواطن الشغل، او بالدعم المالي وغيره”، واعتبر عبد السلام في تدوينته أن من لا يشكر قطر “لا يشكر الله”.
أعادت تدوينة القيادي النهضاوي النقاش حول العلاقة بين حركات الاسلام السياسي ذات الخلفية الاخوانية ومنها حركة النهضة مع دولة قطر، والدعم الكبير الذي قدمته الدوحة لهذه الحركات خاصة بعد ثورات الربيع العربي.
تشير كل الشواهد إلى أن دولة قطر، تدعم بقوة التنظيم العالمي للإخوان المسلمين، وقد برز هذا الدعم بوضوح بعد ثورات “الربيع العربي”، التي انطلقت في تونس في جانفي 2011. حيث سخرت الدوحة آلتها الإعلامية، ممثلة في “شبكة الجزيرة”، للتسريع بإسقاط النظام، فضلا عن الترويج للتيار الإسلامي وتقديمه كبديل للنظام الذي قامت عليه الثورة، هذا فضلا عن التمويل المالي السخي وبدون حساب للإسلاميين، الأمر الذي يفسر وصول التيار الإسلامي للسلطة، في بلدان الثورات، خاصة في كل من تونس ومصر.
برغم النفي القطري، للعلاقة مع جماعة الإخوان وتنظيمها الدولي، فان الشواهد على ذلك كثيرة في الواقع، وهي علاقة تعود إلى أكثر من خمسين سنة، وليست وليدة ما بعد “الربيع العربي”، وهناك دور هام لهذه الجماعة في استقرار النظام القطري.
مثلما أشار الى ذلك الباحث في مركز “كارنجي”، كريستيان كوتس أولريكسن، في دراسة له تحت عنوان: “قطر والربيع العربي: الدوافع السياسية والمضاعفات الإقليمية”، اذ بين أن “استقرار قطر السياسي وثروتها الاقتصادية ترتبط بالاخوان المسلمين”، وتابع القول بان القيادة القطرية “أيدت قوى سياسية إسلامية صاعدة في البلدان التي تمر في مراحل انتقالية، وقادت الردود الإقليمية تجاه الاضطرابات في ليبيا وسوريا، تحت شعار البحث عن حلول عربية للمشاكل العربية”.
وكان رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي قد قال في تصريح صادم يؤكد متانة الروابط بين “النهضة وقطر: “إن دولة قطر شريك في الثورة التونسية”، أولى ثورات الربيع العربي التي أطاحت بنظام الرئيس بن علي مما زاد في تعميق توجس التونسيين من “اللغز” بين الدولة الخليجية حاضنة الحركات الاسلامية، وبين الحركة التي تقدم نفسها على أنها حزب سياسي مدني.
وشدد رئيس النهضة في مقابلة مع جريدة “العرب” القطرية (عدد 1 جوان 2012) أن “دولة قطر شريك في الثورة من خلال إسهامها الإعلامي عبر قناة “الجزيرة” وتشجيعها للثورة حتى قبل نجاحها”. وأضاف “نحن ممنونون لقطر ولأميرها ولتشجيعها الاستثمار في تونس”.
واعتبر ناشطون تونسيون حينها أن تصريح الغنوشي هذا فيه “إساءة لثورة يعتز التونسيون بأنها ثورتهم قادها شباب الجهات المحرومة والفقراء والعاطلون عن العمل مطالبين بالحرية والكرامة”.
وفيما يتهم سياسيون وناشطون حركة النهضة بأنها مدعومة سياسيا وماليا من طرف قطر من خلال تلقي “أموال سياسية” تؤكد الحركة أن علاقتها بالدولة الخليجية “لا تتجاوز علاقة أخوة متينة بين أميرها وراشد الغنوشي”..
وقد جاءت تصريحات الغنوشي لتؤكد ما يتردد في الأوساط السياسية التونسية من أن علاقة النهضة بقطر تتجاوز “علاقات الصداقة” بين الأمير والشيخ ملاحظة “أنها علاقة تدعو إلى التساؤل وتثير الشكوك باعتبارها علاقة بين حركة ودولة وليست علاقة حركة بأخرى ولا هي علاقة دولة بدولة”..
كما أعادت تصريحات القيادات النهضوية ومنها التصريح الأخير لرفيق عبد السلام إلى أذهان التونسيين كيف “طار” رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي إلى الدوحة قبيل انتخابات 23 أكتوبر 2011 ووصفها السياسيون التونسيون حينها بأنها “زيارة لترتيب فوز الإسلاميين”.
وكان أمير قطر زار تونس بدعوة من الحكومة التي تقودها النهضة في شهر يناير كانون الأول2012 بمناسبة الاحتفال بمرور سنة على الثورة. وأثارت تلك الزيارة سخطا لدى الفاعلين السياسيين والاجتماعيين الذين نظموا وقفة احتجاجية أمام مقر المجلس التأسيسي (البرلمان) ورفعوا شعارات مناهضة لدولة قطر ودورها في منطقة الخليج وهتفوا “شعب تونس حر لا أمريكا ولا قطر”..
وأكدت تصريحات الغنوشي وقيادات نهضوية أخرى بأن “قطر تقود خطة سياسية بالتنسيق مع أمريكا” لإدارة الربيع العربي “وفق أجندة” تفسح لها المجال لتكون “اللاعب الأول” في المنطقة العربية بهدف مساعدة الإسلاميين على “الوصول للحكم” وكذلك مساعدتهم على “إنجاح تجربتهم في إدارة شؤون بلدانهم”..
كما أثار تنامي الدور القطري الداعم لحركة التغيير بقيادة الاسلاميين قلق العديد من الدول في الخليج والشرق الأوسط خصوصا بعد تسريب تصريحات رسمية لمسئولين قطريين يقولون فيها “إن دول الخليج ليست بمنأى عن الربيع العربي”. وفي هذا الإطار عبرت السعودية والإمارات عن قلقهما من علاقات قطر مع الحركات الإسلامية وأنها وراء ارتفاع وتيرة نشاطهم المعادي للأنظمة الخليجية عدا قطر طبعا. وطالبت السعودية مرارا من قطر الحد من تحركات “بعض المشبوهين” داخلها والذين يقومون بأعمال تمس بالأمن الوطني السعودي.
لقد غيرت قطر من نهجها الدبلوماسي، مع حصول ثورات “الربيع العربي”، وسعت للعب دور إقليمي، عبر قيادة حركة التغيير الجديدة، موظفة في ذلك مواردها المالية الضخمة، وما يعرف بعناصر قوتها الناعمة وأهمها “شبكة قناة الجزيرة”، وتحالفها مع التنظيمات الإسلامية الاخوانية.
لقد قررت الحكومة القطرية “دعم الإسلاميين في المنطقة نظرا إلى اعتياد الحكومة القطرية منذ فترة طويلة توفير ملاذ للإسلاميين والمعارضين السياسيين من مختلف إرجاء العالم العربي والإسلامي، والى البراغماتية في الحسابات السياسية القطرية الإقليمية.
وقد تقاطعت هذه العوامل في علاقة قطر الوثيقة – المثيرة للجدل – بجماعة الإخوان المسلمين.
وهنا يعتبر الباحث الأمريكي كريستيان كوتس أولريكسن، أنه “خلال الربيع العربي، ابتعدت قطر عن دورها التقليدي في السياسة الخارجية باعتبارها وسيطا دبلوماسيا، لقبول التغيير في الشرق الأوسط وشمال افريقيا ودعم الدول التي تمر بمراحل انتقالية”.
ويضيف “لعبت قطر دورا حيويا في الأشهر الأولى الصاخبة من الربيع العربي، اذ هي بلورت عبر شبكة الجزيرة الفضائية سرديات الاحتجاج البازغة”..
وحذر الباحث الأميركي ريك تراجر (معهد واشنطن للدراسات) من سعي قيادات في جماعة الإخوان المسلمين بدعم من قطر إلى إقامة ما وصفه بـ«دولة إسلامية عالمية». وقال أن هناك تحفظ من الدول المقاطعة لقطر ( السعودية والامارات ومصر) على أن بروز الإخوان المسلمين يشكل تهديداً خطيراً على أمنها القومي، مضيفاً: «في النهاية تسعى الجماعة إلى إقامة دولة إسلامية عالمية تحت سيطرتها، ما يعني إسقاط الحكومات الإسلامية غير الخاضعة لحكم الإخوان على المدى البعيد”.
ولفت تراجر إلى أن «نجم جماعات الإخوان المسلمين بدأ في الصعود عقب أحداث 2011 في تونس ومصر»، مضيفاً في تقرير نشره معهد واشنطن للدراسات في الأول من تموز (يوليو) من سنة 2017 أنه «في أعقاب هذه الانتفاضات سلكت قطر مساراً مختلفاً بتأييدها بقوة هذه الجماعات”.
كما أكد الباحث الأمريكي استيرك واغنر مؤلف كتاب «الخريف العربي: كيف ربح الإخوان المسلمون مصر وخسروها في 891 يوماً» في تقرير له بـ«ذي آتلنتيك» إلى أن قرار الدوحة »عكَس جزئياً ميولاتها الآيديولوجية: فقد كان الأمير مقرباً من رجل الدين المصري يوسف القرضاوي، المرشد الروحي لـ(الإخوان المسلمين) الذي عاش في قطر منذ عام 1961، وكانت قناة (الجزيرة) قد وفّرت منصة للقرضاوي وغيره من شخصيات الإخوان لفترة طويلة بهدف تعزيز الآيديولوجية الثيوقراطية للجماعة، ولكن قرار الدوحة عكس أيضاً اعتباراتها الاستراتيجية، فمع فوز فروع الإخوان في الانتخابات في مصر وتونس، بدا أن الجماعة تمثّل الموجة السياسية المستقبلية، إضافة إلى أن الإخوان لم يشكلوا أي تهديد داخلي على النظام القطري، إذ أن الدوحة طوت الفصل المحلي من الإخوان عام 1999 “.
Comments