أين وصلت تصفية أملاك حزب التجمع المنحل ؟
تونس- التونسيون- /وات/
بعد مرور ثماني سنوات على اندلاع ثورة 14 جانفي، لم يستكمل بعد مسار تصفية أملاك التجمع الدستوري الديمقراطي، الحزب الحاكم قبل الثورة والذي تم حلّه في 2011 تاركا إرثا هاما يتمثل في حسابات بنكية في تونس وخارجها ومحلات وفضاءات تجارية وقطع أرض، إلى جانب حسابات تحت تصرف وسطاء في البورصة وأسهم وشركات تجارية .
في هذا الصدد قال سفيان بن صالح، رئيس لجنة تصفية الأموال والقيم الراجعة بالنظر إلى حزب التجمع المنحل، في حوار أجرته معه وكالة تونس إفريقيا للأنباء التجمع لم يخلّف وراءه إرثا سياسيا فحسب، بل أيضا إرثا اجتماعيا وحزبيا يعود إلى فترة حكم الحزب الإشتراكي الدستوري والذي توارثه في ما بعد التجمع الدستوري الديمقراطي.
وكانت لجنة صلب وزارة أملاك الدولة والشؤون العقارية، تعهّدت منذ الحكم الصادر عن محكمة التعقيب (9 مارس2011) والمتعلق بحل التجمع، بمهمة تصفية أملاك هذا الحزب، إلى أن تم في 2013 إحالة هذه المهمة إلى لجنة مستقلة يشرف عليها قاض معيّن من طرف المحكمة الإبتدائية بتونس. بيع أملاك التجمع الدستوري الديمقراطي ليس أمرا هيّنا، بالنظر إلى ما كانت تمثله لجان التنسيق المحلية بالنسبة إلى المواطنين، حسب بن صالح الذي أضاف أن التجمع كانت له مقرات لكنها في الواقع كانت تحتضن أنشطة اجتماعية وثقافية ورياضية وحتى تجارية. كما قام الحزب بإنجاز مشاريع سكنية اجتماعية ومنازل لفائدة الأسر المعوزة.
ولاحظ أن عملية تجميع الأرشيف الخاص بالتجمع، هي أكبر عملية تحويل للأرشيف في تاريخ البلاد، موضحا أن لجنته تمكنت بالتعاون مع مؤسسة الأرشيف الوطني من تجميع أكثر من 100 طن من الوثائق. وذكر بن صالح في هذا السياق أنه تم في 2013 إحصاء ما يقارب 2400 ملف لها علاقة بأملاك كانت تحت تصرف التجمع الدستوري الديمقراطي وهي ليست ملكا له .. ومنذ تولّي اللجنة لمهتمها، تم تسجيل 3290 ملفا لأملاك وعقارات في هذه الوضعية ذاتها، مشيرا إلى أن هذه الوضعية العقارية الخاصة جدا، عقّدت أكثر التعامل مع مسألة التصفية وبالتالي تسوية وضعية تلك الممتلكات.
كما عبّر عن أسفه لكون بعض المقرات والإقامات القديمة والتاريخية التي تعود إلى عهد البايات وتحولت إلى ملكية خاصة للتجمع الدستوري الديمقراطي، على غرار قصر السعادة بالمرسى، هي اليوم مهددة بالإنهيار وآيلة للسقوط، مبينا أن بعض المعالم التاريخية ومن بينها مقام سيدي الحفناوي بجندوبة، هي من الممتلكات الخاصة للتجمع الدستوري الديمقراطي.
وأضاف رئيس اللجنة أن لهذا الحزب المنحل حسابات بنكية في تونس وفي الخارج أيضا، تم تجميدها في 2011 وقد تم تحويل تلك الأموال والأرصدة إلى حساب خاص بعملية التصفية تحوّل إليه اللجنة كل الأموال المتأتية من تصفية الأموال والقيم الراجعة بالنظر إلى حزب التجمع المنحل. وأوضح أن تلك الاموال يقع توظيفها لخلاص المصاريف التي تتطلبها عملية التصفية وتسديد الديون.
كما أن التجمع المنحل كان يمتلك أسهما وحسابات يتصرّف فيها وسطاء في البورصة.
ففي ما يتعلق بالحسابات المفتوحة خارج تونس، تمكنت اللجنة من غلق حسابات في فرنسا وإيطاليا وتحويل المال إلى الحساب الخاص بالتصفية، في انتظار استكمال اجراءات غلق ما تبقى من حسابات.
على صعيد آخر تولت اللجنة استرجاع أثاث مقرات المكاتب الجهوية والمحلية التابعة لحزب التجمع المنحل الذي كان يمتلك أيضا حوالي 130 سيارة، لم يتم استرجاع سوى 20 سيارة منها. وبالإضافة إلى السيارة الخاصة فأن لجنة التصفية توفقت في بيع ما يناهز 20 سيارة وإطلاق اجراءات البحث بخصوص 97 سيارة تم إدراجها في قائمة العربات المفقودة والتي تتولى وزارة الداخلية البحث عنها، دون التمكن من العثور على أي منها إلى غاية اليوم للأسف، حسب ما جاء على لسان بن صالح.
التجمع الدستوري الديمقراطي المنحل ترك وراءه كذلك ديونا متخلدة بذمته لفائدة بعض البلديات والمؤسسات العمومية مثل الشركة التونسية للكهرباء والغاز (الستاغ) والشركة الوطنية للاستغلال وتوزيع المياه (الصوناد) وشركة اتصالات تونس وشركات النقل وعدد من الشركات الخاصة. وفي هذا الصدد اعتبر رئيس لجنة المصادرة أنه لضمان حقوق كل الأطراف، فإن القاضي المكلف بهذا المف لدى المحكمة الإبتدائية أذن بإجراء عملية التدقيق من قبل مكتب خبرة، ملاحظا أن الديون لم تكن جميعها مسجلة وموثقة وأن عملية التعويض ستتم عند استكمال عملية التدقيق. وللغرض تم في 2014 دعوة كل الأشخاص الطبيعيين والمعنويين المعنيين بهذا الملف إلى تقديم مطالبهم إلى اللجنة.
وأفاد بأن المبالغ الجملية التي تم تقديرها إلى غاية اليوم تبلغ ما لايقل عن 120 مليون دينار، ملاحظا أن هذا الرقم قد يتقلص بمجرد الإنتهاء من عملية التدقيق. وأضاف سفيان بن صالح أن لجنته ستعلن في مرحلة أولى عن انتهاء عملية تصفية أموال التجمع المنحل وممتلكاته في أجل أقصاه أفريل 2019 لتتولى بعد ذلك سداد الديون لأصحابها قبل تحويل باقي الممتلكات والأموال إلى خزينة الدولة.
ومن ناحية أخرى جاء في تصريح رئيس لجنة التصفية لوكالة تونس إفريقيا للأنباء أن التجمع الدستوري الديمقراطي لم يكن فقط يتصرف في أملاك ليست على ملكه بل إنه أقام عقارات على أراض على ملك خواص أو حتى أراض تابعة للدولة. وفي هذا السياق سجلت اللجنة تشييد بناءات على الطرقات وعلى أراض على ملك الدولة أو الملك الخاص وأملاك بعض البلديات، مشيرا غلى أن هذه الملفات تمت دراستها حالة بحالة منذ 2013. وذكر في سياق متصل أن التجمع المنحل كان قام بتسجيل 789 عقارا.
ومن ناحية أخرى قال بن صالح إن بعض الأشخاص وكذلك المؤسسات العمومية والوزارات، استحوذوا بعد الثورة على المقرات السابقة للتجمع ومن بينها وزارة الشؤون الثقافية ووزارة الداخلية. وأفاد بأن لجنة التصفية اكتشفت 293 عقد كراء لفضاءات صغيرة معدة للتجارة كانت على ملك التجمع الدستوري الديمقراطي الذي كان يبني محلات تجارية ويقوم بكرائها لفائدة تجار صغار أو مؤسسات عمومية، مشيرا إلى أن معظم من قاموا باكتراء تلك المحلات يمتنعون عن دفع معاليم الكراء بعد الثورة.
وأوضح بن صالح أن هذه الديون مقسمة إلى ديون الحزب لدى مؤسسات أو لدى مزودي الخدمات وديون مؤسسات، كان التجمع مساهما في رأس مالها، مشيرا إلى أن اللجنة مكلفة بتصفية ديون التجمع المنحل بصفته حزبا.
بعد ثلاث سنوات، تمكنت اللجنة من استرجاع جزء من ممتلكات التجمع المنحل، فضلا عن استرجاع مبالغ مالية هامة، إذ ارتفعت مبالغ استخلاص الكراءات من مقرات الحزب من 160 ألف دينار سنة 2015 إلى حوالي 2 مليون دينار سنة 2018. وقد عملت اللجنة على إجبار المستأجرين على دفع المستحقات المتخلدة بذمتهم. كما قامت في السنة الفارطة (2018)، ب 116 عملية بيع في المزادات (عقارات وممتلكات)، مقابل عمليتين فقط سنة 2015، بمعدل 17 عملية بيع في الشهر في المزادات. وبلغت عائدات عمليات البيع إلى الآن، حوالي 28 مليون دينار.
ولاحظ بن صالح أن اللجنة لم يكن لديها إلى حدود سنة 2016 مقرات جهوية، مما يفسّر صعوبة حصر ممتلكات التجمع المنحل في الجهات.
وفي 2016 استطاعت اللجنة النفاذ فعليا إلى الجهات عن طريق تركيز 24 مكتبا كلّفت بعملية البحث واسترجاع الأملاك ومرافقة عمليات البيع في المزادات وبالتالي استطاعت لجنة المصادرة إحصاء 494 عقارا في ولاية تونس و61 عقارا في ولاية أريانة و143 عقارا في ولاية بن عروس و90 عقارا في ولاية منوبة و242 عقارا في ولاية نابل و387 عقارا في ولاية صفاقس.
عمارة الوطن بشارع محمد الخامس بالعاصمة، كانت المقر المركزي لحزب التجمع الدستوري الديمقراطي المنحل، لم تستطع لجنة التصفية استرجاعها إلا سنة 2015، حيث كانت تستغلها رئاسة الحكومة من سنة 2011 إلى سنة 2015.
وحسب سفيان بن صالح وجدت اللجنة البناية في حالة يُرثى لها عندما استرجعتها سنة 2015، إذ تم إهمالها منذ 2011.
وقال في هذا السياق عندما استرجعت اللجنة هذا المقر كانت التجهيزات الخاصة بالإتصالات والتدفئة والتبريد والأنابيب وتجهيزات الإنذار كلها معطّبة، والمصاعد كذلك معطّلة .. هذه البناية المكوّنة من 17 طابقا كانت مهجورة وفي حالة رثة، مذكرا بأن القانون أكد على ضرورة تعهد ممتلكات التجمع المنحل بالصيانة، وهو ما تم في مرحلة لاحقة.
وبين بن صالح أن لجنة من الخبراء كانت قد أكدت في 2015 أن القيمة المالية لهذه البناية قد انخفضت كثيرا بسبب حالة الإهمال التي أصبحت عليه وقررت بناء على ذلك القيام بالصيانة اللازمة، حتى يسترجع هذا العقار قيمته الحقيقية التي تحسنت بالفعل بعد القيام بأشغال الصيانة، غير أن لجنة التصفية قررت عدم بيع هذه البناية ونقل ملكيتها إلى الدولة، نظرا لقيمتها ولموقعها الإستراتيجي.
وذكر أنه تقرّر كراء المقر لوزارة أملاك الدولة والشؤون العقارية، من أجل تغطية جزء من مصاريف صيانته، مشيرا إلى أن هذه الوزارة هي الوحيدة التي تقدمت بطلب لدى لجنة التصفية، من أجل اكتراء المقر.
كما بيّن بن صالح في تصريحه ل(وات)، أن هذه العمارة التي تضم 210 مكتبا، لا تمثّل سوى الإرث العقاري للحزب المنحل، مشيرا إلى أن المقر المركزي السابق للتجمع الدستوري الديمقراطي، يتضمن كذلك فضاءات اجتماعية وثقافية، من بينها مسارح ستقع تهيئتها في غضون أشهر وكراؤها لإنجاز مشاريع موجهة للشباب وكذلك مساحات خضراء ومقرات لاحتضان بعض المؤسسات. ”
Comments