إفريقيا السّمراء: بين زحف الفيروس و الجسد المرهق
شعبان العبيدي
كانت إفريقيا ما قبل شهر مارس بمنأى عن الفيروس المستجدّ، ممّا دعا البعض إلى التّساؤل عن السبّب، بالرّغم من كثرة الرّحلات الّتي تتوجّه إلى بلدانها نظرا لطبيعة العلاقات التي تقيمها هذه البلدان مع الصّين والبلدان الأسيوية والأوروبيّة. وقد قدّمت ورقة بحثية إلى جامعة كمبريدج من طرف مجموعة من الباحثين بتاريخ 9 فيفري 2020 تحت عنوان ” وجهات ركّاب الصين: انخفاض خطر انتقال الفيروس إلى إفريقيا وأمريكا الجنوبيّة” مبيّنين الهدف من هذه الدّراسة وهو استشراف مدى القدرة على انتقال فيروس كوفيد 19 عبر الرّحلات الجوّيّة والرطّاب من المدن الصينيّة، وهذا قبل أن يغزو أوروبا والعالم. وبيّنت الدّراسة الّتي قامت على استخدام معلومات تخصّ 800 شركة طيران للمدّة الممتدّة من 1 جانفي إلى 31 جانفي. وقد تمّ خلال هذه الفترة توجيه 287.388 راكبا إلى 1297 مطارا في 168 دولة وإقليما في جميع أنحاء العالم، وكان مؤشّر انتقال الفيروس بين الدّول عاليا جدّا مع الحالات المؤكّدة الّتي أبلغت عنها منظّمة الصحّة العالميّة 0,97 ووفقا لتصنيف درجة المخاطر. لم تكن الدّول الإفريقية موجودة في المجموعة الأولى والثانية. وكان خطر انتقال الفيروس المستجدّ منخفضا جدّا حيث ظهرت أثيوبيا وجنوب إفريقيا ومصر وموريشيوس.
ولكنّ اليوم يبدو أنّ فيروس كورونا بعد ما سجّله من ارتفاع في مصر وفي دول المغرب العربي بدأ يزحف ويطير ويتمدّد في الدّول الإفريقية من جنوب إفريقيا أين بدأ في ارتفاع إلى شمالها في دول السّاحل والصّحراء في السينغال وبوركينا فاسّو، وأمس أعلنت النّيجر عن الإصابة الأولى، وزحف نحو شرقها في روندا وغربها في القرن الإفريقي في أثيوبيا ووسطها. وقد حذّرت منظّمة الصّحة العالمية منذ أسبوع من خطر انتشار هذا الفيروس بإفريقيا ونبّهت هذه الدّول إلى الاستعداد الجيّد والتوقّي. وهو ما دفع هذه الدّول التي عرفت تزايد عدد الإصابات إلى اتّخاذ إجراءات وقائية منها تعليق الرّحلات وغلق الحدود.
لكنّ هذه الإجراءات الّتي قدّمتها منظّمة الصحّة العالمية، واعتبرت أخيرا أنّها غير كافية دون الحجر الصحيّ التّام الدقيق، في الخروج من انتشار العدوى، لا يمكن بحال من الأحوال تطبيقها في البلدان الإفريقية لأنّ حدودها مفتوحة وانتقال أبناء القارّة بين دولها لا يمكن التحكّم فيه بسبب طبيعة الحياة الرّعوية والتّجارة العشوائية وصعوبة التحكّم في الحدود، هذا إضافة إلى أنّ هذه البلدان تعاني من نقص حادّ في البنية الصحيّة واهتراء في المستشفيات ونقص الأدوية ووسائل الوقاية. فقد كانت عبر تاريخها الحديث مخابر للحروب الأهلية والاستغلال وتفشي الأوبئة والأمراض الخطيرة الّتي مازالت تعصف بشعوبها إلى اليوم مثل التيفويد أو الكوليرا ومرض فقدان المناعة والسلّ ومرض الملاريا وآخرها مرض فيروس الإيبولا الذي ينتقل بشدّة مثل فيروس كورونا. وكانت آخر حالة شفاء منه قد غادرت المستشفى بليبيريا يوم 2 مارس. ولذلك حذّر مسؤول العمليات الاستعجالية في إفريقيا لدى منظّمة الصحّة العالميّة من العواقب الوخيمة لتعليق الرّحلات الجوّية والبحريّة بطريقة تامّة لما في ذلك من عزل للدّوّل الإفريقيّة أمام حاجتها للمعدّات الطبيّة والأدويّة والغذاء نظرا لانتشار الفقر والجوع وضعف البنية التّحتية الاجتماعية والصحيّة.
إنّ الخطر الأكبر الذي تواجهه إفريقيا السّمراء، أمام ما تشكوه بلدانها من إرهاق و ضعف على كافّة المستويات من أن يتمدّد هذا الفيروس في جسدها المنهك، المثقل بالأمراض و الجروح، وأن يتحوّل بأثر البيئة و المناخ الوبائي و الصحيّ القائم إلى إبادة، في ظلّ انغلاق كلّ بلد في العالم على حماية نفسه و مواطنيه، و لا بدّ لمنظّمة الصحّة العالمية أن تضع ثقلها في مساعدة هذه القارّة، و تمكينها من وسائل العلاج لأنّ طرق التوقّي لن تؤتيّ أكلها في إفريقيا بالنّسبة للعارفين بطبيعة الحياة الاجتماعية في هذه البلدان، واكتظاظ أسواقها و انعدام مرافق الصحّة فيها.
Comments