الجديد

إيران بين وباء الكورونا و الحصار الأمريكي                                      

شعبان العبيدي                                                                                            

في ظلّ التّخوّف الكبير من مزيد انتشار فيروس كورونا في بلادنا وأمام استهتار الغالبية من العائدين والمخالطين لهم بالتّوجيهات المتكرّرة للسّلطات الرسميّة وتحذيرات وزارة الصّحة، ووسائل الإعلام، وشبكات التّواصل الاجتماعي، بل تمرّدهم على الدّولة والقوانين واستمرار عقلية استباحة القانون وثقافة الفوضى واللاّمبالاة. وعدم وجود صرامة أمنية في التّعامل مع هؤلاء. خاصّة وأنّ بلادنا لا تحتمل أن تصل مرحلة من انفجار وبائي مادّيا وصحيّا واقتصاديا، وهي المثقلة بأوزار كثيرة اجتماعية واقتصادية ومالية. أردت أن أنقل للقرّاء صورة عن معاناة بلد عصف به هذا الفيروس المستجد، وهو إيران الذي وصلت فيه عدد الوفايات إلى 1556 والإصابات إلى 20610.

نريد من خلال هذا المقال، العودة إلى أرواق بحثية نشرتها جامعة كمبريدج في بحوثها حول فيروس كورونا أولهما ورقة قدّمها ميلادي عيدي من قسم علم الأحياء الدّقيقة بكليّة الطبّ بإيران حول توصيف المرض والعوائق التي تعترض وزارة الصحّة الإيرانية في أن تكون أكثر نجاعة في التصدّي لهذا الوباء، وثانيهما ورقة من جامعة شنغهاي حول أهمية حماية العاملين في القطاع الصحّي وكيفية ذلك، لأنّ هؤلاء معرّضون أكثر للإصابة من نزلاء المستشفيات.  أن نبيّن أمرين ونحقق فعلين كلاميين: أوّلهما بيان خطورة الوضع في إيران وتفاقمه أمام تشفي الولايات المتحدة، وعدم مراعاة البيت الأبيض للواقع الإنساني المخيف الذي تمرّ به إيران، وثانيهما: مزيد تنبيه المواطن التونسي بمخاطر الحركة والتجمّعات وسرعة انتشار العدوى، وخطورة هذا الوباء رغم خطابات التّهوين من أمره.

يبدأ هذا التقرير البحثي العلمي بتعريف “كورونا فيروس” بأنّه ينتمي لمجموعة من الفيروسات (  كو) الّتي تسبّب أمراضا تتراوح بين نزلات البرد وبين أمراض كثيرة أخرى مثل متلازمة الشرق الأوسط التنفسيّة ومتلازمة الجهاز التنفسيّ “سارس – كوف”. وبيّن أنّ الأبحاث المخبرية التي أجريت أنّ ” السارس- كوف” نجم عن إرساله من قطط الزّباد إلى البشر وأن “مارس-كوف” جاء من الجمل في شبه الجزيرة العربية لينتقل إلى البشر. ومفاد ذلك أنّ الفيروسات التّاجية موجودة في الإنسان والعديد من أنواع الحيوانات، بما في ذلك الجمال والقطط والخفافيش والأبقار. وأشار صاحب الورقة إلى أنّه من النّادر أن تصيب هذه الفيروسات التّاجية الحيوانية الإنسان ثمّ تنتشر بين البشر سواء مع “مارس-كوف” أو “سارس-كوف” أو هذا الفيروس الجديد ” سارس- كوف2″. وسبب تسمية هذا الفيروس التّاجي الجديد الذي تمّ اكتشافه لأوّل مرّة في الصّين باسم “سارس – كوف2” وتسمية المرض الّذي يسبّبه ب”مرض الّتاج التّاجي لعام 2019 واختصاره “كوفيد 19”. وتشتمل علاماته الشائعة للعدوى في أعراض الجهاز التنفسيّ والحمّى والسّعال وضيق التنفّس وصعوبته في أغلب الحالات، الّتي تؤدّي إلى إنتانات أو تعفنات والتهاب رئوي ومتلازمة الجهاز التنفسيّ والفشل الكلوي حتّى الموت. ولا تزال تفاصيل كثيرة عن السّمات البيولوجيّة لهذا الفيروس مجهولة. وإنّ “كوف 19” هو ثالث فيروس تاجيّ يهدّد الصحّة العامّة العالميّة خلال العقدين الأخيرين، بعد جائحة 2002 و 2012.

ويحيل الكاتب ضمنيا إلى تأخّر السلطة الإيرانية في اتّخاذ الإجراءات الأوليّة والتوقّي قبل وصول الفيروس، نظرا لانفتاح الحدود الجويّة والبريّة لإيران مع الدّول الآسيوية وحركية التنقلات والرّحلات والعلاقات، وذلك حين بيّن الفاصل الزّمني بين الإعلان لأوّل مرّة عن هذا الفيروس في مدينة “ووهان” الصينيّة في 31 ديسمبر 2019 حتّى تحوّل اليوم إلى وباء عالمي سريع الارتحال والتسلّل والإبادة، وخاصّة في إيران مع كوريا الجنوبية وإيطاليا وإسبانيا وأنقلترا وألمانيا.

وقد تمّ تأكيد إصابة مريضين في إيران يوم 19 فيفري 2020 بمدينة “قم”. ومعنى ذلك أنّ هاتين الحالتين المكتشفتين تمثلان مرحلة انتشار فجائي لم يمكن حصر عدده، وهو ما سيظهر في الارتفاع المذهل لعدد المصابين بعد ذلك خلال أسبوع، وانتشر المرض بسرعة في المحافظات المجاورة بالقرب من مدينة “قم” مثل “طهران” و” مركزي” و” أصفهان” ومحافظات “سمنان” وبعد ذلك في وقت قصير في جميع محافظات البلاد الواحدة والثلاثين.إذ بلغ عدد المصابين في 8 مارس2020 وفقا للمتحدّث باسم وزارة الصحّة بلوغ العدد الإجمالي 6566 و194 وفايات. بمعدل 2.9 بالمائة. وبلغ عدد الوفايات اليوم 1556.

وجاء خطاب حسن روحاني في كلمة ألقاها أمام اللجنة الوطنية لمكافحة كورونا أنّ البيت هو أحسن مكان للعلاج بالنّسبة أساسا للحالات الحرجة، وهو كلام يوحي بعجز المستشفيات عن استيعاب المرضى في ظلّ نقص الأدوية والأدوات الطبيّة والأجهزة. وقد أبرز صاحب الورقة أنّه رغم عمل وزارة الصحّة الإيرانية بتوصيات منظمة الصحّة العالمية من توعية وإبلاغ ونظافة واحترام مسافة الأمان الصحيّة والحجر الصحّي الذاتي وطلب الرّعاية الطبيّة مبكّرا، وتقييد حركة الجولان وإغلاق المؤسسات التربوية والتعليمية وتخفيض ساعات العمل وإلغاء جميع الأنشطة بما فيها التعبديّة، وتطهير الأماكن العامّة.

لكن يبدو أنّ عدم صرامة النّظام الإيراني في تطبيق الحجر الصحيّ، وعدم احترام المواطنين له كما يجري عندنا، وعدم الجديّة في التحكّم في الأشخاص ومراقبتهم بطريقة دقيقة، وعدم توفير فرق مختصّة لتشخيص المرض في مناطق مختلفة، هذا إضافة كما يشير البحث إلى افتقار المستشفيات الإيرانية إلى بنية تحتية كافيّة من أسرّة ومعدّات وأقنعة ومطهّرات وبعض الأدويّة الأساسيّة المستوردة، وتعاظم خطر مزيد انتشار الوباء وتفاقم ضحاياه بسبب صعوبة تنفيذ الحجر الصحيّ نظرا لتوزّع الواسع للفيروس. هذا إضافة إلى التخوّف من انتقال الفيروس بسبب عيد” النيروز” الذي لا يتخلّف عنه الإيرانيون.

ورغم ما يقوله الباحث معتدا مصطلحا حربيّا للجيش المغزوّ ” وتحاول إيران الآن أن تقاتل هذا الفيروس بكلّ قواها. و أمام هذا الوضع الكارثي و الإنسانيّ، تصطدم دعوات رئيس الحكومة الإيرانية و الحكومات الغربية والآسيوية ومنظمة الصحّة العالمية للرئيس الأمريكي والأمّة الأمريكية بضرورة رفع الحضر الجزئي على إيران خاصّة فيما يتّصل بالأدوية و المعدّات الطبيّة والوقائية، يظلّ الرّئيس الأمريكي متشبّثا بمزيد خنق النّظام الإيراني، و التّشفي في العقاب، دون تفريق بين معركة الأنظمة و الشّعوب، وهو الذي راهن بدعواته المتواصلة للشعب الإيراني بضرورة الثورة، مبرزا حقّه في الحياة الكريمة، فأين هذا الخطاب الدّعائي من نزعة الشماتة والتّشفّي؟ أليس هذا الصلف هو مشاركة للجائحة الطبيّعية من رئيس الولايات المتّحدة في إبادة إنسانية للشعب الإيراني؟

ما نقوله ختاما بعد استعراضنا لما جاء في توصيف الوضع الصحيّ بإيران، هو أن نتوجّه لمواطنينا بقراءة ما جاء في هذا المقال، حتّى يعلموا أنّ مقاومة هذا الدّاء العضال لا يمكن أن تتحكّم فيه أدويّة ولا آلات بل نحن نتحكّم فيه بالالتزام بالحجر الصحّي التّام و الانضباط للوقاية، فإنّ التهوّر واللامبالاة و محاولات التمرّد على قرارات الدّولة واستضعافها و دفعها إلى استعمال العنف هو عندي عمليات سائبة لإلحاق الضّرر بالتّونسيين لا تقلّ نوعا عن العمليات الإرهابية، “فاتّقوا اللّه يا أولي الألباب لعلّكم تفلحون”.

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    ^ TOP