اتحاد الشغل و الانتخابات ولزوم ما لا يلزم
كتب: هشام الحاجي
لا يختلف متابعان في التأكيد على الدور المحوري الذي يضطلع به الاتحاد العام التونسي منذ تأسيسه في مختلف مناحي الحياة في تونس و على ان الاتحاد يمثل الرقم الصعب في المعادلة التونسية بمختلف ابعادها السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية . و يصعب استحضار الاسهام الايجابي في اهم منعرجات المجتمع التونسي و التي كان اخرها تحرك قيادته الفاعل من اجل دفع الفرقاء السياسيين الى طاولة “الحوار الوطني ” و هو ما اعاد الحياة لمسار الانتقال الديمقراطي و اغلق ابواب المجهول التي اراد البعض فتحها على مصراعيها لدفع الشعب التونسي في متاهات الاحباط و الفوضى التي لا تؤدي الا الى الخراب .
الاشارة الى هذه المحطة الهامة في تاريخ تونس هي في حد ذاتها تأكيد على انه من الصعب تصور الاتحاد العام التونسي بعيدا او مبعدا عن اهم محطات الحياة السياسية و اساسا المحطات الانتخابية التي تعتبر في مرحلة الانتقال الديمقراطي لحظة اعادة بناء هامة للمؤسسات السياسية التي تحدد مسار حياة المجتمع لسنوات .
و قد تقبل اغلب الملاحظين انخراط الاتحاد العام التونسي للشغل في عملية مراقبة المسار الانتخابي حرصا على شفافيته و نزاهته بارتياح ضاعف الارتياح الذي رافق تخلي المركزية النقابية عن الفكرة التي لوحت بها منذ اشهر و المتمثلة في المشاركة بشكل مباشر في الانتخابات التشريعية .
لكن الايام الاخيرة اخذت تبدد من هذا الارتياح لأنها حملت اشارات على وجود شيء من الارتباك في خطاب القيادة النقابية لم تعرف بعد اسبابه . و قد كانت البداية بحديث الامين العام نورالدين الطبوبي في 5 اوت الجاري عن ضرورة استعداد العمال و النقابيين لما سماه “معركة كسر عظام ” ستنطلق وقائعها بعد الانتخابات .
استعارة مفردات توحي بالعنف الشديد و الالغاء لم تكن مبعث ارتياح لإدراك الجميع ان كل مواجهة مفتوحة و عنيفة بين السلطة السياسية و الاتحاد العام التونسي للشغل تكون تكلفتها باهظة على البلاد و ان في كلام الامين العام رجما بالغيب اذ لا احد يمكنه التكهن بمن سيفوز في الانتخابات الرئاسية و التشريعية او محاولة للتأثير على الناخبين علاوة على انه لا يعطي اشارة مطمئنة لدفع الاستثمار المتعثر لأسباب اخرى بكل تأكيد .
قد يكون نورالدين الطبوبي اعتمد المجاز عملا بمقولة “يضيق صدري و لا ينطلق لساني ” لان الجميع يدرك ان للقيادة النقابية عدة تحفظات على اداء حكومة يوسف الشاهد و اساليبها و برامجها و ان بعض هذه التحفظات يرتقي الى حد التخوف على مستقبل القطاع العمومي و على منوال التنمية و قد يكون من الافضل في هذه الحالة التعبير بوضوح عن هذه التحفظات و المخاوف حتى يكون الراي العام على بينة و حتى تتاح للحكومة امكانية الرد .
و هذه الاستعارة ابرزت ان الامين العام للاتحاد يحوم حول الحمى كما يقال دون ان يقدر على المضي قدما في التعبير عن افكاره و هو ما جعله يعلن ان الاتحاد سيخضع المترشحين للانتخابات الرئاسية لامتحان لمعرفة “المواقف و النوايا” من خلال دعوتهم للإجابة عن مائة سؤال و سؤال .
و هذه الفكرة تعد سابقة لا نعتقد ان غيرنا قد سبقنا اليها و هي في حد ذاتها شكل من اشكال “تصغير ” المترشحين و دليل على اغلاق لأبواب الحوار على قاعدة الاحترام و الندية اذ لا نعتقد ان المترشحين يرفضون او لا يرغبون في الجلوس الى القيادة النقابية و الحوار معها و الاستفادة من رؤيتها لمستقبل تونس .
و قد عمقت تصريحات القيادي سمير الشفي بالأمس هذا الانطباع بان شيئا من الغموض و الارتباك يحكم مقاربة القيادة النقابية للانتخابات الرئاسية من خلال اشارته الى ان الاتحاد اقرب الى مرشح مستقل و انه يقف في نفس الوقت على نفس المسافة من جميع المترشحين.
هذا الارتباك دليل على انه بقدر ما تميل القيادة النقابية ضمنيا الى بعض المترشحين و لا “تحمل في فؤادها” كما يقول المثل الفرنسي البعض الاخر فإنها تدرك انها لا تستطيع فعليا توجيه القواعد و الاطارات النقابية الى التصويت لهذا المرشح او ذاك و انه من مصلحتها و مصلحة البلاد ان لا تلعن المستقبل الذي قد يأتي حاملا في طياته ما تود و ترغب و ان مصلحة الشعب التونسي في هذه اللحظة الهامة تتمثل في ان يلعب الاتحاد العام التونسي للشغل دور المترفع عن الصراعات السياسية و المراقب الموضوعي و المحايد للمسار الانتخابي و هو نفس الدور الذي لعبه في اكتوبر 2014 و جعله محل اعجاب و تقدير الداخل و الخارج.
هشام الحاجي
Comments