احتجاجات شتاء 2021 .. “الزلزال” القادم !
منذر بالضيافي
بدأ جانفي العشرية الثانية للثورة “ساخن” مثلما كان متوقعا، وذلك بالنظر الى تدهور الأوضاع الاقتصادية، والتي زادت الحالة الوبائية في مضاعفتها، لتصل البلاد الى مستويات من الانهيار الغير مسبوق في كل المؤشرات، وهي أوضاع تفاقمت أيضا بسبب حالة عدم الاستقرار السياسي وخاصة الحكومي، لتمثل “خميرة” لتململ شعبي يتوقع أن يأخذ شكل “انفجار اجتماعي”، بالنظر الى الأزمة الشاملة والمعقدة التي دخلت فيها أتونها البلاد.
وبالنظر الى غياب المشروع الوطني الحامل لرؤية للانقاذ، ما سمح بتصاعد “الشعبوية”، وهو ما يجعل من ردة الفعل الاجتماعية المتوقعة، قد ترتقي الى “زلزال” كبير ، لا يمكن لأي جهة التكهن بمالاته وبما سيفرزه، وسيكون عدم السيطرة على الوباء عاملا معجلا به، وهو للأسف ما لا تدركه الطبقة السياسية الحاكمة، التي اختار مكونها الرئيسي (حركة النهضة) “الاحتماء بالدولة” (تغليب الحل الأمني وحتى الدعوة لمآزرته ب “ميليشيات” حزبية) وبالتالي “الهروب” للأمام.
كما برز جليا هذا “السلوك الرسمي”، من خلال “شيطنة” التحركات، بدل محاولة فهمها والتمهيد لمعالجتها، أو على الأقل الحد من تداعياتها المتوقعة والتي ستكون خطيرة ( لو حصلت )، على وحدة المجتمع واستقرار مؤسسات الدولة وتواصلها.
من هنا فان ما حصل خلال الأيام الأخيرة، هو حراك احتجاجي برغم “التشويش” عليه، بما رافقه من أعمال “عنف” و “تخريب”، وهو حراك يتوقع أن يستمر وقد يتصاعد أيضا، طالما اسبابه موجودة في الواقع، فضلا عن غياب المعالجة الواقعية، وتقديم الحلول الدنيا على الأقل للحد من ارتفاع منسوبه، في المقابل نلاحظ مراهنة على “الحل الأمني” و “شيطنة” للحراك، وهو خيار خاسر وسيزيد في “تعفين” الأوضاع.
خصوصا وأن هذا الحراك، بدأ يعرف عملية “تصحيح للمسار”، ونعني بذلك التوجه نحو التظاهر في “النهار”، وبروز مؤشرات لتأطير التحركات، من خلال المحافظة على “سلميتها” من جهة، واعطائها مضمون اجتماعي وكذلك سياسي، تمثل في رفعها لشعارات ومطالب واضحة، أغلبها في تصالح أو الأصح استعادة لذات المطالب، التي رفعت في جانفي 2011 .
على غرار ما حصل في تظاهرة السبت الأخير (23 جانفي 2021 بشارع الحبيب بورقيبة)، التي وبرغم محاولة البعض الانحراف بها نحو “التوظيف السياسي”، فان نوعية أغلبية السواد الأعظم من المتظاهرين ( من “الشباب الجديد”، وهي تسمية اجرائية للفهم فقط)، المتحرر من الايديولوجيا، ومن سطوة الاعلام التقليدي، ومن صراعات النخبة السياسية، طيلة عشرية ما بعد الثورة، كان له الصوت الاعلى، والذي لا يتوقع أن يبتدع اشكالا جديدة للتحرك، تكون في انسجام مع وعيه الجديد المرتبط بما يمكن أن نطلق عليه “ثقافة الشبكة” (الأنترنت)، عبر توظيف لمواقع التواصل الاجتماعي التي يتقنونها جيدا ويعرفون جيدا دهاليزها وكواليسها ولغتها.
هذا الجيل الجديد، “الما بعد الثورة”، نشأ وترعرع في غفلة من الاعلام التقليدي ومن السياسيين التقليديين، و لا يخضع لأدوات التأطير والمرافقة التقليدية ( الأحزاب، المنظمات، الجمعيات، لجان الأحياء…)، يتوقع أن تكون له “كلمة الحسم” في المستقبل، ما سيعطي ل “الحراك” المنتظر والمتوقع (نظرا لاستمرار الأزمة الاقتصادية وتمدد انتشار وباء الكوفيد- 19 وتفاقم حالة القلق المجتمعي) “زخم” نوعي و مختلف عن السائد.
وفي ظل المشهد التونسي الحالي بكل تعقيداته وتحدياته، يبقى السؤال الذي يبحث عن اجابة هو التالي: هل يخفي الحراك الحالي بما صاحبه من “شغب” ميلاد “انتفاضة سياسية” أم أنه مجرد “موجة احتجاجية” كسابقاتها تأتي بصفة دورية مع كل شهر جانفي من كل سنة جديدة؟
Comments