استقالة الفخفاخ: بداية لأزمة مفتوحة .. هل أخطأت النهضة التقدير ؟
منذر بالضيافي
استقالة رئيس الحكومة، التي سبقت بضغط عالي من قبل حركة النهضة، ستكون بداية لأزمة سياسية مفتوحة، ولعل كل المؤشرات وردود الأفعال الحالية تشير الى ما ذهبنا اليه، خصوصا وأنها زادت في الرفع من منسوب التوتر، لا بين السلطة التنفيذية ( قرطاج والقصبة) والبرلمان (حركة النهضة ورئيسها الغنوشي)، بل أيضا داخل المشهد السياسي وكذلك المجتمعي في علاقة بالموقف من تيار الاسلام السياسي، عبر العودة لأجواء تشبه سنوات 2011 و 2012 و 2013، عودة الاستقطاب السياسي والأيديولوجي، والانقسام المجتمعي الذي ترافقه مخاوف من المساس بالاستقرار.
فهل تسرعت حركة النهضة في التعجيل بإنهاء حكومة الفخفاخ “موظفة” في ذلك قضية “تضارب المصالح” ؟ و ما هي “عواقب” ما بعد الاستقالة على الحركة وعلى تجربة الانتقال الديمقراطي، التي لا نبالغ بالقول أنها في حالة تشبه “الموت السريري” ؟
وجدت حركة النهضة، التي شاركت مكرهة في الائتلاف الحكومي برئاسة الياس الفخفاخ، في قضية “تضارب المصالح”، السبب للتسريع بالاجهاض على الحكومة، التي تقدر أنها غير مؤثرة ووازنة فيها، برغم أنها تشارك فيها بحصة مهمة من الوزراء ( ستة وزراء)، ما يجعل منها الشريك الرئيسي في الائتلاف الحاكم.
تحرك النهضة في قضية تضارب المصالح، كان في توافق مع رفضها الانسجام مع الائتلاف الحكومي، الذي تمثل في وجودها أيضا ضمن ائتلاف برلماني معارض للحكومة، الذي قاد حملة تصعيدية ضد الرئيس الفخفاخ، على خلفية الاتهامات التي وجهت له بتضارب المصالح، برغم اصرار الرجل على التمسك ببراءته ودعوة بقية مكونات الائتلاف (الشعب والتيار الديمقراطي) الى انتظار نتائج تقارير اللجان الادارية والبرلمانية، وهو ما رفضته حركة “النهضة”، التي وضعت نصب أعينها “رأس الفخفاخ” و “حكومة الرئيس” في مسعى لاستعادة المبادرة الحكومية التي فرطت فيها باسقاط حكومة الحبيب الجملي.
تسارعت الأحداث خلال اليومين الأخيرين، في علاقة خاصة بالوضع الحكومي، وذلك بعد الخطوة التصعيدية لحركة النهضة تجاه رئيس الحكومة، والمتمثلة في دعوة مجلس الشورى، لسحب الثقة من حكومته، ثم الانتقال الى تفعيل هذا القرار في الواقع، من خلال تقديم لائحة لوم في البرلمان ، وبالتالي الشروع في اجراءات سحب الثقة، في محاولة لاستعادة المبادرة السياسية.
وهو ما سرع أو فرض تحرك الرئيس قيس سعيد، ليكشف عن استقالة تقدم بها الفخفاخ في وقت سابق، ليسحب بذلك المبادرة السياسية من البرلمان ومن حركة النهضة تحديدا، وليستعيدها لنفسه، في ما يتعلق بتكليف رئيس الحكومة المقبلة.
من جهة اخرى، لم يبقى الفخفاخ في حالة الانتظار والترقب، بل اختار المواجهة مع النهضويين، من خلال قراره اعفاء وزراء الحركة الستة في الحكومة، ساعات قليلة قبل تفعيل استقالته بشكل رسمي، وهو ما يجعل الاجراء الذي أقدم عليه في اطار ممارسته لصلاحياته القانونية والدستورية، بعيدا عن الجدل السياسي والأخلاقي، الذي خلفه اعفاء وزراء النهضة بين مؤيد ومتحفظ.
الخطوة التي أقدم عليها رئيس الحكومة المستقيل، يتوقع أن تكون متبوعة بخطوات أخرى، في علاقة خاصة بمستقبل وجود “الاسلاميين” في أجهزة ومؤسسات الدولة، خصوصا وأن الحركة التي كانت حاضرة بقوة في الحكم خلال السنوات التسع الأخيرة، قد عمدت الى “زرع” المنتسبين اليها والمتعاطفين معها في مختلف أجهزة الدولة، برغم تصاعد المطالب من أحزاب ومنظمات وطنية بضرورة مراجعة التعيينات التي أقدمت عليها حركة النهضة، وهو ما تخشاه الحركة وعبرت عنه بوضح في بيان لها اليوم الخميس 16 جويلية 2020.
في هذا السياق، نبهت النهضة في بيانها “الى ضرورة عدم إقدام حكومة تصريف الأعمال على اغراق الادارة بالتعيينات والتسميات، او إقالات بنية تصفية الحسابات، داعية السيد رئيس الجمهورية الى تحمل مسؤوليته كاملة لضمان استقرار المرفق العام وتحييده عن التوظيف السياسي”.
وكان رئيس الحكومة قد سبقها بتذييل نص استقالته التي تقدم بها لرئيس الجمهورية، بجملة “مهمة” يجمع المراقبين على أنها موجهة للنهضويين أساسا، فضلا عن كونها تحمل دلالة على القطيعة بين الطرفين، وتتجاوز ذلك الى احياء سردية “أزمة الثقة”، التي ميزت و ما تزال العلاقة بين قطاعات واسعة من المجتمع وخاصة النخب بالحركة الاسلامية، التي تحملها مسؤولية تنامي “العنف السياسي”، وكذلك “العنف الجهادي” وتتهمها بكونها وراء تسفير الألاف من الشباب الى بؤر التوتر في سوريا والعراق وليبيا.
ولا يمكن فهم تحذير الفخفاخ خارج هذه “التخوفات”، اذ حذر في استقالته “كل من تسول له نفسه الإضرار بأمن البلاد أو بمصالحها الحيوية، من كون القانون سيطبق عليه دون أي تسامح ودون استثناء لأي كان”.
تحذير رئيس الحكومة المستقيل ليس ب “البريء”، وهو ما يحيلنا لطرح الأسئلة التالية: كيف ستتصرف النهضة بعد “طردها” من الحكومة ؟ وهل تواجه الحركة “اختبار” لقدرتها على الالتزام ب “المعارضة المدنية” ؟ وما هو مستقبل تجربة الانتقال الديمقراطي و “موقع” الإسلاميين فيها ؟ وهل أخطأت النهضة في “تقدير” موقعا و وزنها في المشهد الحالي في ظل رئاسة الرئيس قيس سعيد ؟ أخيرا، هل ستكون استقالة الفخفاخ بداية لمشهد سياسي وقانوني وحكومي جديد يقطع مع الذي سبقه طيلة السنوات التي تلت ثورة 14 جانفي 2011؟
Comments