استقالة نادية عكاشة .. مرحلة جديدة في حكم قيس سعيد
تونس- التونسيون
أثار اعلان نادية عكاشة، مديرة ديوان الرئيس قيس سعيد ، استقالتها من منصبها موجة كبيرة من الجدل والتساؤلات، وهي الشخصية السياسية الأقرب للرئيس، والتي لازمته كظله طيلة أكثر من سنتين في قصر قرطاج، ما جعل كل المهتمين بالمشهد يعتبرونها “كاتم سر الرئيس”، ومهندسة سياساته وقراراته وخاصة قرارات 25 جويلية 2021.
تلك القرارات التي مثلت منعرجا حاسما في مسار الانتقال الديمقراطي في تونس، الذي دخل منذ ذلك التاريخ في حالة موت سريري، كما أنها قرارات جاءت لتنهي المشاركة القوية والمؤثرة لحركة النهضة الاسلامية في الحكم، ولعشرية اعتبرها الكثيرون أنها ارتبطت بالفشل السياسي وغياب أي منجز اقتصادي أو اجتماعي، وهذا ما يفسر وجود ترحيب كبير رافق الأيام الأولى لاعلان التدابير الاستثنائية.
وقالت عكاشة في نص استقالة تم تسريبها في مواقع التواصل الاجتماعي إنها قدمت استقالتها لرئيس الجمهورية قيس سعيّد بسبب ما قالت إنه “اختلافات جوهرية في وجهات نظر تتعلق بالمصلحة العليا للوطن”، وبالتالي فانه ليس خروج عادي على غرار الاستقالات السابقة في ديوان الرئيس، وهو “موقف” يجد “شرعيته” في الدور والمكانة التي لعبتها عكاشة في القصر وقربها الكبير من الرئيس سعيد.
وكتبت نادية عكاشة في تدوينة نشرتها بصفحتها على “فيسبوك” “قررت اليوم تقديم استقالتي للسيد رئيس الجمهورية من منصب مديرة الديوان الرئاسي بعد سنتين من العمل. لقد كان لي شرف العمل من أجل المصلحة العليا للوطن من موقعي بما توفر لدي من جهد إلى جانب السيد رئيس الجمهورية، لكنني اليوم وأمام وجود اختلافات جوهرية في وجهات النظر المتعلقة بهذه المصلحة الفضلى أرى من واجبي الانسحاب من منصبي كمديرة للديوان الرئاسي متمنية التوفيق للجميع وداعية الله أن يحمي هذا الوطن من كل سوء”.
وتعد عكاشة (41 عاما) الذراع اليمنى لدى الرئيس سعيد وأقدم مستشاريه التي عملت معه لمدة سنتين متتاليتين، وهي مكلفة بالشؤون القانونية في الديوان الرئاسي ثم وزيرة مديرة للديوان.
وعكاشة متخصصة في الشؤون الدستورية، وكانت زميلة لقيس سعيد في الجمعية التونسية للقانون الدستوري التي تولى كتابتها العامة وتسييرها. وهي دكتورة في القانون العام وباحثة في معهد “ماكس بلانك” للقانون العام والقانون الدولي المقارن.
استمرت في منصبها في الرئاسة برغم سلسلة من الاستقالات التي شهدها ديوان القصر. بل إن مراقبين فسروا نزيف الاستقالات داخل القصر الرئاسي من أقرب المستشارين لسعيد بإدارة عكاشة وطريقة تسييرها للديوان الرئاسي.
وتأتي استقالة عكاشة في سياق نزيف استقالات لم يتوقف منذ بداية ولاية سعيد في أكتوبر 2019 حيث تساقط معاونوه الواحد تلو الآخر بشكل متواتر حتى أفرغ الديوان الرئاسي من غالبية أعضائه.
وسبق أن قدم مستشار الرئيس ورفيق دربه عبد الرؤوف بالطبيب استقالته من الديوان الرئاسي، في شهر فيفري 2020، متهما في تصريح إعلامي المتحدثة الرسمية السابقة باسم رئاسة الجمهورية، رشيدة النيفر، بقذفه وشن حملة تشويه ضده، ما عكس بحسب مراقبين حجم الخلاف داخل القصر الرئاسي.
والتحق بالطبيب بحراك “مواطنون ضد الانقلاب” المعارض لسعيد، الشيء الذي اعتبر بمثابة الضربة القوية للرئيس.
وفي مطلع شهر أفريل 2020، أحدثت استقالة مستشار الأمن القومي الجنرال محمد الحامدي، جدلا واسعا، خصوصا بنشره تدوينة مطولة وقف فيها عند أسباب استقالته من القصر ملمحا لسطوة عكاشة على الديوان الرئاسي، وقولته الشهيرة إنه أصبح “المستشار الذي لا يستشار”.
وبعدهما أعلنت مستشارة الرئيس المكلفة بالإعلام والاتصال، رشيدة النيفر، في أكتوبر 2020 عن استقالتها، مبررة الخطوة في تصريح إعلامي “بخلافات داخل ديوان الرئيس، وعدم رضاها عن طريقة العمل”.
وطالما اعتبر خصوم سعيد أن عكاشة هيمنت على قصر قرطاج وكانت بمثابة اليد الحديدية في القصر الرئاسي، بل ذهبوا إلى أنها مهندسة “تدابير 25 جويلية 2021”.
ويعرف عن عكاشة أنها من بين طلبة القانون الدستوري في الفصول التي كان يقدمها سعيد، قبل أن تتميز في اختصاصها وتصبح أستاذة جامعية في نفس الكلية التي يدرس فيها بالعاصمة، لتتحول الطالبة إلى زميلة لمدرسها ثم تواصل معه درب العمل السياسي مستشارة له ومديرة لديوانه ومساعدته في إدارة البلاد منذ ما قبل 25 جويلية 2021.
وظهرت عكاشة إلى جانب سعيد في غالبية تنقلاته داخل البلاد وخارجها، حتى إن بعض معارضيه اعتبروا أنها أصبحت الشخص الثاني في السلطة الذي يضع دواليب الخيارات السياسية.
وطفت مؤخرا في الكواليس أخبار عن خلاف بين عكاشة، ووزير الداخلية توفيق شرف الدين، حيث يتنازع الطرفان، منذ عودته إلى منصبه بعد 25 جويلية، التقرب إلى الرئيس وحيازة ثقته
كما يعتبر معارضون لسعيد أن جناح شرف الدين انتصر على جناح عكاشة في القصر الرئاسي نظرا لحاجة سعيد إلى الهيمنة وفرض سياسته، مستعينا بقبضة أمنية قوية ليجد ضالته في شرف الدين.
ولكن باستقالتها تكون عكاشة قد كشفت للعلن ما كان مخفيا منذ شهور، من خلافات بين أجنحة الحكم، أُقحِم فيها حتى شقيق الرئيس، نوفل، وعدد من الوزراء ودوائر التأثير.
وربما تعكس هذه الاستقالة بداية مرحلة جديدة من حكم سعيد، حيث ترجح مصادر مختلفة استتباعات لهذه الاستقالة المدوية، من بينها تعديلات قريبة قد تشهدها حقائب مهمة في الديوان الرئاسي وفي الحكومة.
Comments