الجديد

اصدارات: بعد قرارات 25 يوليو في تونس: الإسلاموية والدولة

يتناول كتاب مركز المسبار للدراسات والبحوث «بعد قرارات 25 يوليو في تونس: الإسلاموية والدولة» (الكتاب التاسع والسبعون بعد المئة، نوفمبر (تشرين الثاني) 2021)، مسارات الحكم في تونس، منذ عام 2011 حتى أواسط عام 2021، تاريخ حلّ البرلمان التونسي، وتقليص نفوذ «إخوان تونس» بعد عشريّة، ختمها فخامة الرئيس قيس سعيّد، بقرارات يوم 25 يوليو (تموز) 2021، التصحيحية التي جاءت على إثر تظاهرات حانقة طالبت بتنحي الحكومة وحل البرلمان. بالقدر الذي أزاحت فيه القرارات حركة النهضة؛ فإنّها طرحت أسئلة حول مستقبلها، وبعد تنامي الخلافات، والمناورات داخلها؛ تجمعت أسئلة متشابهة عن ظاهرة سقوط الإخوان، وخروج الشعوب ضد كل طبقات الحركات الإخوانية والإسلاموية، فبعد سقوطها من الحكم في مصر، والسودان، هل يعني انهيار أغلب أعمدتها في تونس نهاية تجربة الإسلام السياسي في الحكم بالدول العربية؟ هل أثبت الإسلامويون مرة أخرى أنهم غير قادرين على إدارة الدولة؟ وهل هذه النهاية، تقتضي استئناف مشاريع بديلة، أم إنها ستؤدي كما المعتاد إلى تحوّر، وتحايل على الواقع؟

يأتي هذا الكتاب الشهري الجديد تتمة لإصدارين سابقين نشرهما مركز المسبار بين عامي 2011 و2012، الأول: «الخارطة التونسية بعد الثورة: النهضة وأخواتها»، والثاني: «الخارطة التونسية بعد الثورة: السلفيون التقدميون، الشيعة».

شارك في الكتاب باحثون وأكاديميون ومفكرون متخصصون في الشأن التونسي والحركات الإسلاموية. سعت الدراسات إلى مناقشة وتحليل تداعيات القرارات الرئاسية على حركة النهضة ضمن مقاربات عدة، فإلى جانب المقاربة التاريخية، التي ساعدت على فهم تشكل الإسلاموية التونسية والالتباس المرافق لمراحل التأسيس، والفصام الأيديولوجي بين الدعوي والسياسي، والعزلة عن المجتمع ومعاداة التحديث؛ أبانت المقاربة النقدية، المخاطر المترتبة على سعي «إخوان تونس» إلى أخونة المجتمع وفرض قوالب اجتماعية متطرفة وأدوات تمكين ونفوذ تهدد، ليس البنى الاجتماعية فحسب، وإنما مقدرات الدولة وهويتها الحداثية.

شكل عام 2011 تحولاً مفصلياً للحركة الإسلاموية في تونس، فبعد سقوط نظام زين العابدين بن علي (1987-2011)، تمكن الإسلامويون التونسيون من الوصول إلى السلطة، واستغلوا وجودهم فيها لتحقيق مشروع التمكين الإخواني، وبناء طبقات تمويل خارجية، فدخلوا في صراعات حادة مع الأحزاب السياسية المعارضة لهم، واتُّهِموا بأنهم تغاضوا عن تنظيمات إرهابية وأفراد شاركوا في بؤر التوتر في سوريا وليبيا. تولّت الحركة آنذاك دعوى الفصل بين السياسي والدعوي، فطار الإسلامويون بشعارات مؤتمر الحركة في 2016، وجرى تسويقها على أنها بداية فصل الحركة العلمانية الإسلاموية الأولى، وثمة مبادرات في زوايا أخرى اكتفت بمخاطبة العالم على مستوى الشعارات، إلا أنها فشلت على المستوى الخدمي، والإطار الفكري الجاد في إيجاد خارطة طريق داخلية، فتعقدت الأزمات المتوالية.

وفي سبيل فهم أعمق لحدث 25 يوليو (تموز) في تونس، الذي ترك تأثيره الأقوى على حركة النهضة، كان لا بد من طرح سلسلة الأحداث السياسية الأخرى المواكبة في موازاة مخاطر التمكين الإخواني، وهذا ما عرضته دراسات في الكتاب، ركزت أيضاً على ظاهرة الانشقاقات الجماعية داخل حركة النهضة، وشكاوى «الإخوة» من تسلط الزعيم وسيطرته على مركزية القرار داخلها بعد أن ثبت امتلاكها جهازاً سرياً، مهدداً لأمن المجتمع والدولة.

بعد أن توالت الاستقالات بإعلان (113) عضواً استقالتهم، في 25 سبتمبر (أيلول) 2021، والتحق بهم (18) عضواً في اليوم التالي، ليصل العدد الإجمالي إلى (131) عضواً؛ استشرفت دراسة في الكتاب معالم مرحلة ما بعد الانشقاق على المشروع ضمن سيناريوهات عدة، وخلصت إلى أن الوجه الآخر لهذه الانشقاقات، يكمن في نقد مقولة صلابة الحركات الإسلاموية وهيكليتها القوية. في حين أن الوقائع في الحالة الإخوانية وسواها أكدت عكس ذلك، وهذه المسألة من المسائل المسكوت عنها كلياً في خطاب الإسلاموية وقواها الداعمة؛ لأن الخوض فيها، حتى لو كان خوضاً عابراً أو خوضاً مفصلاً، يُسلط الضوء على نسبية المشروع الإخواني، وكونه لا يمثل إلا نفسه، ومنه نسبية أدبيات «الجاهلية» و«الحاكمية» و«المفاصلة الشعورية» ومجمل المفاهيم الإسلاموية التي ساهمت في تزييف وعي قيادات وأتباع الإسلاموية.

مرّ مشروع التمكين الإخواني النهضوي (2011-2021) داخل الدولة التونسية والمجتمع، بمراحل؛ فحركة النهضة، لم تحافظ على النسق نفسه من جهود التمكين طيلة عشر سنوات من وجودها في السلطة، لذلك قسمت دراسة في الكتاب هذه الحقبة إلى مرحلتين، باختلاف طبيعة أساليب التمكين المعتمدة وأهدافها، المرحلة الأولى (2011-2013): أطلقت عليها تسمية «الدخول بقوة»؛ ذلك أن حركة النهضة حازت خلال الاستحقاق الانتخابي الأول بعد ثورة يناير (كانون الثاني) 2011 على العدد الأكبر من مقاعد المجلس التأسيسي، الذي وضع الأسس الدستورية للدولة الجديدة، ووجدت نفسها الحزب الأكبر سياسياً وشعبياً، فعمدت إلى الدخول بقوة في استئناف مشروع التمكين. أما المرحلة الثانية (2014-2021): فخلفت مرحلة «الدخول القوي» للإخوان في مشروع التمكين حالة من الاستعصاء الاجتماعي والسياسي في البلاد، ذلك أن جبهة عريضة من معارضيهم قد تشكلت وأحدثت توازناً قوياً غير مسبوق في مواجهة التنظيم الإسلاموي، وترافق ذلك بعد سقوط حكم الجماعة في مصر، وبروز مزاج إقليمي ودولي معارض بشدة لتمدد الإسلامويين في المنطقة.

تطرقت دراسة في الكتاب إلى مستقبل حركة النهضة بعد القرارات الرئاسية ومصير زعيمها الذي رسم مصائر رفاقه من خلال التصفيات الداخلية وازدواجية المعايير واستبدادية القرار، كما ناقشت دراسة أخرى إشكالية أساسية، غالباً ما تتم استعادتها، بعد سقوط أي مشروع إخواني أو تعثره، مفادها: هل يمكن الحديث عن نهاية الإسلام السياسي وحقبة ما بعد الإسلاموية؟ تجزم الدراسة بأنه «لا سبيل إلى الحديث عن نهايته بشكل تامّ إلاّ في مستوى وصوله إلى مركز السلطة والحكم، أمّا أيديولوجياً واجتماعياً فلا يمكن الحديث عن ذلك أبداً، وأقصى ما يمكن الطموح إليه هو عدم تبوّئه المركز ليبقى هامشياً، كما هو الوضع مع كلّ التيّارات العنيفة والمغلقة في المجتمعات الديمقراطيّة». إلى هذه الخلاصة –التي نأخذها بحذر- يمكن أن يضاف أن تاريخ الحركات الإسلاموية الإخوانية يُعلمنا أنها تملك القدرة الذاتية والتنظيمية على رصّ الصفوف وإعادة بناء هياكلها والعودة إلى الساحات وخوض الانتخابات، وسيكون من التهور الأخذ بمقولة «ما بعد الإسلاموية» أو نهاية الإسلام السياسي، التي يأخذها من تجذبهم الشعارات، على أنها منهج متفائل مشرق!

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    ^ TOP