الإسلاميون والحكم..تجربة حركة النهضة بين استحقاقات الثورة ومتطلبات الدولة
عن دار “ورقة” للنشر، صدر للصحفي والباحث في علم الاجتماع، منذر بالضيافي كتاب حول “الإسلاميون والحكم..تجربة حركة النهضة” بين استحقاقات الثورة ومتطلبات الدولة. وذلك بعد أيام قليلة من مغادرة النهضة لحكم تونس.
وقد تضمن هذا الإصدار، الذي هو عبارة عن محاولة لتشريح فترة حكم حركة النهضة الإسلامية، الذي استمر سنتين، عشرة أبواب وهي: الحركة الإسلامية في تونس.. مقدمات ضرورية للفهم -الوعي المبكر بالمسألة السياسية و مدى التفاعل مع البيئة التحديثية التونسية- ، النهضة والمشاركة في الثورة، النهضة ما بعد 23 أكتوبر، النهضة وتحديات ممارسة الحكم، فشل حكومى وعزلة سياسية -حكومة ثانية .. و دار لقمان على حالها، المعارضة تعزل النهضة وفي الذكري 32 لتأسيس النهضة: انتصر الإسلاميون وانهزم مشروعهم-، أحداث عجلت بتقويض حكم النهضة وهي: اغتيال شكري بلعيد.. وسقوط حكومة النهضة الأولى، غزوة السفارة.. أمريكا تدير ظهرها للنهضة،الشعانبي – تورا بورا تونس-.. الدولة في مواجهة الارهاب، واقعة القيروان.. “الطاغوت” في مواجهة “أنصار الشريعة”،اغتيال النائب البراهمي..وسقوط حكومة النهضة الثانية-.
وتناول الباب السابع: حركة النهضة وصدمة 30 يونيو ..سقوط حكم الإخوان -النهضة التونسيةوالصدمة المصرية، سقوط حكم الإخوان..من مصر إلى تونس، الإسلاميون وخطأ الهيمنة الحزبية،هل ينجح الغنوشي في تجنيب النهضة مصير الإخوان؟. الباب الثامن، تطرق الى:العنف السياسي زمن حكم النهضة، والباب التاسع، في مواجهة الأزمة..بداية مرحلة ما بعد النهضة، ووضع الباب العاشر تحت عنوان: رحيل حكم النهضة: فشل وتغيير لم يكتمل.
استهل الكتاب بإثارة السؤال التالي: هل ستكون حركة النهضة قادرة على عدم استنساخ التجارب الفاشلة التي حكمت باسم الإسلام، في كل من أفغانستان وإيران والسودان ومصر؟. فمن حق التونسيينأن يتخوفوا، ومن حقهم أن يثيروا أكثر من سؤال، حول قدرة “إخوان تونس” – وهم يتولون عرشقرطاج- على نحت تجربة ناجحة، تقطع مع التجارب الفاشلة، وتؤسس لأنموذج يصالح بين الإسلام والديمقراطية. و لا يقسم أبناء المجتمع الواحد، إلى “إسلاميين” و “علمانيين” أو “مؤمنين” و”كفار”، بل يتم التعاطي معهم –كلهم- كمواطنين. خصوصا وأن تاريخ البلاد البعيد والقريب، عرف بانسجامه الثقافي والاثني وأيضا الطبيعي أو الجغرافي، وبتجذر الفكر الإصلاحي الذي يعود إلى أكثر من مائتي سنة . ما يعني أن البيئة الثقافية والسوسيولوجية، مهيئة لقيام “حزب إسلامي ديمقراطي”، يعيد إنتاج تجربة “الأحزاب المسيحية الديمقراطية” في أوربا، ولا يعيد إنتاج تجارب أفغانستان والسودان والصومال…
كما تساءل الكاتب: هل ستكون حركة النهضة، وبعد أن انتقلت من موقع المعارضة إلى موقع السلطة، قادرة على تأكيد “مبدئية” قبولها بالخيار الديمقراطي، خاصة القبول بالتداول على الحكم، الذي هو أساس وجوهر الممارسة الديمقراطية؟ وهل ستحافظ على “النمط المجتمعي” الذي يتمسك به عمومالتونسيين، ولا يقبلون المساس به؟ أم أنها ستحاول إجراء “تعديلات” أو “اختراقات” لخدمة مشروع “الأسلمة”؟ وهل ستبقي النخب الحداثية والطبقة الوسطى متيقظة ومدافعة عن المكاسب المجتمعية التي تحققت لفائدتها، وحمايتها من “التهديد الأصولي”؟ وما مستقبل التعايش بين “الإسلاميين” و “العلمانيين” في تونس؟
يرى الكاتب، أنه وبعد سنتين من حكم النهضة، بدأنا نشهد حصول مراجعات للمواقف العاطفية التي تفاعلت مع الأحداث التي حصلت في شهر جانفي 2011 في تونس. و التي فسح فيها الخيال واسعا للحديث، عن أن المنطقة العربية مقبلة على تغييرات كبيرة. لعل أقلها سقوط النخب والأنظمة التي جاءت بها حركات التحرر الوطني، أو ما يصبح في ما بعد بالدولة الوطنية. وبروز نخب سياسية جديدة، منها ممثلين عن تيارات الإسلام السياسي. التي فازت في الانتخابات ووصلت لحكم تونس. لكن بعد سنتين من حكمهم، تبين أن “التغيير لم يكتمل”، وأن هناك “خيبة” مجتمعية من عدم تحقق “الاستحقاقات” التي قامت من أجلها هذه الثورة. وتنادى الناس أنهم في حاجة إلى من يخدمهم لا إلى من يعضهم. وبدأنا نلاحظ شبح عودة النظام القديم، بعد أن استعصى على الحكام الجدد تقديم الحلول البديلة و”ترويض” الدولة العميقة”.
ويشير الكاتب الى أنه وبعد سنتين من وصول حكومة الترويكا، برئاسة حزب “النهضة” الإسلامي للحكم، يجمع أغلب المتابعين للمشهد التونسي، على الإقرار بأن الحكومة لم توفق في الاستجابة لمطالب الثورة، وأن الأوضاع لم تعرف تغييرا كبيرا عما كانت عليه في السابق. بل أنها ازدادت سوءا من حيث تدهور المقدرة الشرائية، وما صاحبها من تفقير لقطاعات واسعة من المجتمع. و انهيار غير مسبوق للوضع الاقتصادي وتدهور العملة وكل مؤشرات النمو. كما أن وحدة المجتمع والدولة أصبحتا مهددتين. بعد تنامي مظاهر الانقسام المجتمعي، الناجم عن تقسيم المجتمع إلى إسلاميين وعلمانيين. زيادة على فشل السياسة الأمنية، بعد تكرر الاغتيالات السياسية، وتنامي مخاطر وتهديد الجماعات الدينية المتشددة، التي انتشرت وتعددت مناشطها في ضوء تسامح يصل درجة التواطؤ من الحكومة القائمة ذات المرجعية الإسلامية.
أما في المستوي السياسي، وان كان من الصعب على النهضة التنكر للخيار الديمقراطي، إلا أن هذا لم يمنعها من محاولة تعطيل مسار الانتقال الذي شهد انتقال سلس للسلطة، وكان يبشر بالوصول إلى بناء أنموذج ديمقراطي هو الأول في المنطقة، لكن الإسلاميين اختاروا تمطيط المرحلة التأسيسية، عبر جعلها فترة حكم طويلة، ستفضي إلى “التمكين” لمشروعهم، بعد التغلغل في مفاصل الدولة، وبالتالي التحكم في كل انتخابات قادمة، وهذا ما لم يتحقق بفضل يقضة الإعلام والنخب والمجتمع المدني وبدرجة أقل بكثير الأحزاب السياسية، وهذا لا يجب أن يغفل عن المراقبين والمحللين وجود تيار “واقعي” داخل النهضة بزعامة رئيس الحركة الشيخ راشد الغنوشي، رأي في خروج النهضة من الحكم “حل قبل أن يسقط السقف على الجميع”، وهو الذي رجحت أخيرا كفت القرار لصالحه ليجنب وقوع صدام بين الإسلاميين والمجتمع والدولة، على غرار ما حصل في مصر بعد إخراج العسكر للإخوان من السلطة.
وفي هذا السياق، يخلص الكاتب الى أن عدم قدرة الحكام الإسلاميين في المساس بالنمط المجتمعي التونسي، و إنجاح “حلمهم” أو “مشروعه” في “أخونة” أو “أسلمة” المجتمع. يعود أيضا إلى وقع تأثير المشروع الحداثي التونسي في تكوين البنية الذهنية والنفسية للتيار الغالب لإسلاميي تونس. وهذا ما يجعلنا نتمسك بوجاهة المقاربة السوسيولوجية التي عبر عنها بعض أساتذة علم الاجتماع في تونس مثل عبد القادر الزغل وعبد الطيف الهرماسي وغيرهم…والذين رأوا بأن الحركة الإسلامية – وتحديدا حركة النهضة – هي نتاج للتجربة التاريخية والاجتماعية التونسية. وأن “الجماعة الإسلامية” التي نشأت في بداية السبعينات من القرن العشرين، من منطلقات وأدبيات “إخوانية” نسبة إلى جماعة الإخوان المسلمين المصرية، سرعان ما فرض عليها مجتمعها التكيف مع خصوصياته، وأنها انتهت إلى التسليم بمقولة “تونسة الحركة” عوضا عن “أسلمة المجتمع” وفق التصور والمنهج الذي دعا إليه سيد قطب في كتابه الشهير “معالم في الطريق”.
Comments