الانقسام الخليجي والخلاف مع ايران .. بوادر انفراج في الأفق
كتب: بسام عوده *
منذ نشوب الأزمة الخليجية بين قطر من جهة والعربية السعوديه والإمارات والبحرين من جهة ثانية انقسم مجلس التعاون الخليجي بين مؤيد ومعارض لما يحدث ، حدث عكر صفو الأشقاء بغض النظر عن المسببات المختلفة الذي يطول الخوض فيها ، قد يكون كل طرف في الأزمة محق حسب تقديره ، باستثناء مل من سلطنه عمان ودولة الكويت اللذان وقفا على الحياد ، سلطنه عمان لها سياستها فيما يتعلق بالعلاقات الدولية منذ زمن ، ودولة الكويت المتجذرة بحريه الاعلام والمسرح والثقافة بمفهومها الأشمل.
فأمير الكويت الشيخ صباح الأحمد رجل مخضرم بالسياسة وله مواقف منذ زمن بعيد بحكم الخبرة الطويلة خلال توليه وزارة الخارجية، نظر للأمر على انه عابر ولابد يوما ان تعود المياه لمجاريها ، و بحكمتة وتجربته اتخذ موقفا ينم عن عقلانية رجل يدرك مخاطر التهور السياسي منذ غزو الكويت الذي دمر ما كان يعرف بالصف العربي الممزق أصلا ، بداية النكبة الكبرى للامة ، وبقي امير الكويت وسيط ذو بصيرة لإنقاذ ما يمكن انقاذه والسعي بين الأشقاء من اجل تجاوز الخلاف بالتنسيق بين العواصم ذات الصلة ، وامسك العصى من الوسط حتى لا يتفاقم الخلاف ، وبقيت الحرب الإعلامية المستعرة من خلال القنوات الفضائية المنحازة لكل طرف .
الحرب في اليمن زادت حدة الانشقاق ودخل الجانب الإيراني على الخط ،وأخذ (يصب الزيت على النار) وكبرت فجوة الخلافات و تضاربت المصالح الخارجية و أججت الخلاف أكثر واستغلت تركيا الوضع التي انحازت الى الدوحة واعطت الأزمة اهمية بالغة اكثر ما تستحق وهى المستفيدة اقتصاديا ولتحسين صورة حزب العدالة امام الراي العام التركي والدولي ،السؤال المطروح لو كانت الدوحة بلد لا يملك الثروة هل تقف تركيا نفس الموقف و بتلك الحماس الذي اعتبر من جانبهم بطولي ، وإيران سلكت منهج اسوء من ذلك ؟
نحن امام مشهد سياسي اشبه بالدراما المضحكة والمبكية في آن واحد . وموقف السياسة الأمريكية الانتهازي كان واضحا البحث عن تسويق السلاح والتكنولوجيا لطرفي الازمه .
الصراع في اليمن بعد مضي أعوام اتجه نحو طريق مسدود ، في ظل ارتفاع الخسائر المادية والبشرية ، وضعف الحكومة الشرعية على ارض الواقع ،رغم انها مؤيدة دوليا ،وما حدث في عدن دليل على ذلك .
تدلاك العربية السعودية تماما ان خطر ايران لا يتمثل في اليمن فحسب ،بل تلعب دورا اخطر من كل الحروب ،الفرس بُعدهم عقائدي بحت يغير تفكير البسطاء في شعاراتهم التي نفهمها وتقيم الاحتفالات من اجل تحرير القدس وهي على مرمى حجر من موقعهم الجغرافيا ، لا ننكر ان لهم تجربة في صناعة الدراما ذات الطابع الديني بعباءة فارسية ، وأسباب هزائم العرب في حروبهم المتخمة بالشعارات والعواطف التي أفرغته من الواقع المر .
وأشاعت التكهنات بان النصر قريب وعاشت الشعوب على الوهم والخرافة ، اليوم في سياق الأحداث تعاد قراءة الواقع ، تصدر إشارات بين أطراف الازمه ان هناك بوادر لطرح جوانب الازمه على طاولة الحوار ولو انها تأتي على استحياء، السعودية دخلت الحرب مكرها أخاك …لان الخطر اقرب من امن المملكة بعد ان سيطرت ميليشيا الحوثي على صنعاء في غياب الدولة ودعم ايران الذي لا يختلف عليه اثنان.
السعوديه لم يكن لها يوما اطماع في اليمن ، بل هى الجانب المتضرر ، لان زعزعة الاستقرار في اليمن خطر من كافة الجوانب على المنطقة بأسرها ، وبعد ان اتضحت الرؤيا في خضم الأحداث لا يمكن تحقيق نصر لأي جانب في ظل الدعم الإيراني للطرف المنشق عن اليمن ، ايران تعاني من أزمة اقتصادية متفاقمة وحصار خانق يحيط بها من كل جانب ، تطلب الصلح والحوار عبر قنوات مختلفة وسرعان ما تنكر ما يشاع.
وهى تدرك ان كل محاولاتها لتصدير ما أسمته الثورة غير مجدية مثلما حصل في مملكة البحرين فوجئت بالرد الغير متوقع ولا تزال تسوق على انها كبش فداء ،لكن مع كل هذه المواقف هناك بوادر لوقف الحرب لإنقاذ ما يمكن من مكتسبات الشعب اليمني ،الوضع في صنعاء وعدن يتطلب هدنة طويله من اجل قراءة واقع المأساة التي خلفت دمار مادي ومعنوي ، نحن ندرك دور دولة الكويت الجاد لوضع حد لهذا النزيف المتدفق من الكيان العربي والخليجي معا .
يبقى السؤال المطروح من هو المستفيد من الوضع السائد ؟ ويبدو ان الأمر اصبح ملحّا أكثر من أيّ وقت مضى للتوصّل إلى تسوية سياسية توافقية للازمة في اليمن بما يحقق الامن والاستقرار.
و في السياق نفسه كانت ولا تزال السعودية دوما حريصة على حقن الدماء وعلى عدم اللجوء إلى السلاح لفضّ الخلافات بين الأطراف و العودة إلى المسار السياسي في إطار الشرعية ، منذ المحاولة الاولى التي استهدفت على عبدالله صالح ، وقامت بدورها بكل السبل المتاحة وأخرجت اليمن من الخطر ووقع في العاصمة السعودية على المبادرة الخليجية التي مهدت لتسليمه السلطة في فبراير/شباط عام 2012 إلى عبد ربه منصور هادي
أما ايران و بعد الاعتداء على أرامكو ادركت ان القادم اخطر مما تتصور وسارعت لتمرير ما اسماه انصارها بوقف الحرب من طرف واحد ولم تكن جادة بهذا وكان الأمر مخيفا بالنسبة لها لما هو متوقع ، السعودية حاولت ضبط النفس قدر المستطاع كي لا تتسع الازمه في قراءة متأنية لإنقاذ المنطقة من زلزال جديد .
المؤشرات الإقليمية والدولية توحي بتحرك هادئ من اجل فتح قنوات الحوار للتوصل الى هدنة طويلة الأمد تمهيدا لوقف النزاع الذي اثقل كاهل المحيط العربي والدولي .
*كاتب أردني مقيم بتونس
.
Comments