التونسيون- /وات/

 حاملا عدسته بين أكتافه يجوب الأحياء والطرقات والأزقة، هناك حيث تنسج الحياة تفاصيلها من آلام الكادحين والباحثين في بقايا أشياء ألقت بها الأيادي من خلف الأبواب المغلقة، هناك بين الزواريب الضيقة وعفن المزابل، هناك حمل الفوتوغرافي، عمر بن مبروك، عدسته ليلتقط حكايا “البرباشة” او الباحثين عن القوت بين النفايات.

هي صور متعددة وزوايا للرؤيا مختلفة لئن تنوّعت في محاملها وطرق عرضها فإنها حافظت على ملمح جامع لفئات لاتشبه إلا نفسها، بعد أن أصبحت ظاهرة اجتماعية واقتصادية لها حضورها في الواقع، فئة أمست لها تعبيرتها الخاصة حين أطلق عليها “البرباشة ” فئة لم تجد من هذه الحياة وأفقها الواسع الرحب إلا النبش بين المزابل والنفايات.

عمر بن مبروك اختار رواق الفنون ببن عروس ليعرض لوحاته على جدران الإسفلت. صادمة هي صوره وصلبة على الوجدان صلابة الإسفلت القائم وراءها يقول الفوتوغرافي : ” انه اختار أحياء الفقراء ليرصد حركات الباحثين عن قوتهم في أماكن المزابل وزواريب القذارة “، معادلة الفوتوغرافي كانت ماذا يجني هؤلاء من بقايا أشباههم أو الذين يفوقونهم بعض درجات على سلم الفقر والعوز والحاجة؟

وكأن البرباشة في هذه الأحياء المسكونة بتفاصيل وحكايا “الخبز الحافي” أرادوا أن يقولوا انه لا تعنينا فواضل الأغنياء وروائحهم لا تشبهنا وبقاياهم لا تعنينا هم ربما يبحثون عن القلة حتى في المزابل عن أشياء قليلة كقلّة ذات يدهم ، فأفق احتياجهم مداه ما يسدّ الرمق يوما بيوم وفي كل يوم لهم منه نصيب.بين امرأة في العقد السابع احدودب ظهرها أو فتاة تغطي وجهها أو كهل بلا ملامح أو صبية صغار يأكلون من بقايا الحاويات أو هيكل إنسان أمسى بلا وجه من كثرة ما حمل على جنباته من قوارير البلاستيك، تراوح عدسة عمر بن مبروك في نقل هذه الصور البسيطة في تركيبها والمعقدة في رموزها ومعانيها.

هيكلية الألوان في معرض عمر بن مبروك شفافة ومؤطرة تلتقط المشهد كما هو بلا خلفيات مضافة أو ألوان بعينها هي حركة في مشهد أو التفاتة معبرة أو لقطة هاربة من إطارها زمانا ومكانا، هي في النهاية صورة لحكاية أو لوجع أو تعب أو لمتاهة أو لوجه حفرت فيه أخاديد السنين.

يتواصل معرض ” البرباشة” المدعوم من صندوق التشجيع على الابداع الادبي والفني في رواق الفنون حتّى 17 فيفري 2023، وتتواصل رحلة البحث عن القوت بين المزابل للبرباشة إلى ما لانهاية.