البنك الدولي يطرح السؤال” “هل تتراجع العولمة؟”
نشر موقع البنك الدولي دراسة مهمة، هي ثمرة نقاش جاري تحت عنوان: “هل تتراجع العولمة”؟ . نقاش ساخن: هل تتراجع العولمة أم لا؟ إذا كانت الإجابة بنعم، فإلى أي مدى، وما هي تبعات ذلك على الرخاء والحد من الفقر في العالم؟
في مقدمة المقال اشار الباحث الى أنه ليس من السهل الإجابة على مثل هذه الأسئلة، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى وجود تعريفات مختلفة للعولمة، وبالتالي تختلف أساليب قياسها.
وتشير بحوث حديثة أجراها البنك الدولي، استنادا إلى تعريف جديد، إلى أن العولمة لا تزال نشطة ونابضة بالحياة.
في ما يلي فقرات من الدراسة:
لكن، ذلك يعتمد في البداية على السياق المعني. فقد ظلت العولمة، على مدى أكثر من 50 عاما، عاملا محفزا للتنمية الاقتصادية، والتكامل التجاري، وبناء الرخاء. كما ساعدت في انتشال أكثر من مليار شخص من براثن الفقر.
ومنذ تسعينيات القرن الماضي، أصبحت مسارا للشركات في الاقتصادات الصاعدة لدخول سلاسل القيمة العالمية ومضاعفة حصتها من الصادرات تقريبا. وأدى التقدم المذهل في مجالات الاتصالات والنقل وتكنولوجيا المعلومات إلى تسهيل المعاملات والأنشطة التجارية بين البلدان الواقعة على طرفي الكرة الأرضية وخفض تكاليفها، فضلا عن النفاذ إلى أسواق بعضها بعض، وتبادل الموارد والمعرفة الفنية والتكنولوجيا.
ومن ناحية أخرى، يلقي بعض المنتقدين في الاقتصادات المتقدمة باللوم على العولمة نظرا لفقدان الوظائف في قطاع الصناعات التحويلية، ويشير آخرون إلى العولمة بوصفها مصدرا لانبعاثات غازات الدفيئة وبالتالي احداث الضرر المتصاعد بالبيئة.
تراجع العولمة .. اعادة التفكير في الاستراتيجيات العالمية
في الآونة الأخيرة، دفعت جائحة كورونا، والحرب في أوكرانيا، والتوترات بين الصين والولايات المتحدة البلدان والشركات إلى إعادة التفكير في الإستراتيجيات العالمية. ولكن إلى أي مدى تتراجع العولمة فعليا؟ بعض الدراسات لا تجد سوى النزر القليل من الأدلة المنهجية على ذلك، وتخلص دراسات أخرى إلى أن “الانفتاح التجاري” قد تراجع مؤخرا في بعض المناطق، بالتزامن مع تباطؤ وتيرة الإصلاحات التجارية ووجود مخاطر تهدد عجلة النمو. وهذا ليس مجرد بحث أكاديمي، وقياس العولمة بدقة ضروري لفهم أثر التحديات الراهنة على الاقتصاد العالمي. ولا يمكن للسياسة الاقتصادية أن تبالغ في تقدير انحسار العولمة أو تحسب تكاليف هذا السيناريو بأقل من قيمتها حيث إن ذلك يمثل مخاطر كبرى. ولهذا السبب، نحتاج إلى تعريف واضح مع تطبيقات تجريبية دقيقة لتوجيه السياسة الاقتصادية.
وتعد نسبة التجارة إلى إجمالي الناتج المحلي – التي تحسب الأهمية النسبية لواردات وصادرات البلد المعني بالنسبة لاقتصاده – إحدى طرق قياس “الانفتاح التجاري”. وزادت هذه النسبة زيادة مطردة حتى عام 2008، ثم تراجعت بصورة مفاجئة في عام 2009 في أعقاب الأزمة المالية العالمية. وفي 2011، عادت هذه النسبة إلى مستويات التعافي، ولكن ليس بالقوة نفسها التي كانت عليها قبل الأزمة، مما يشير إلى تراجع العولمة.
ويواصل بعض الاقتصاديين استخدام نسبة التجارة إلى إجمالي الناتج المحلي كمقياس للانفتاح، على الرغم من أن كثيرين غيرهم يرون أنها معيار غير كاف ولا تعني بالضرورة وجود حواجز تجارية عالية. ومن الممكن أن توضح هذه النسبة بعض العوامل مثل حجم الاقتصاد أو هيكله أو القرب الجغرافي من الشركاء التجاريين.
وبناء عليه، نتفهم العولمة على نحو أفضل باعتبارها امتدادا يتجاوز الحدود الوطنية لقوى السوق نفسها العاملة على جميع مستويات النشاط الاقتصادي. وباستخدام هذا التعريف، قمنا بقياس قوة العولمة بوصفها نمو التجارة الدولية بالنسبة للتجارة المحلية. فعلى سبيل المثال، تبيع شركات صناعة السيارات بعض السيارات في السوق المحلية وتصدر الباقي.
وتتيح مقارنة تطور صادرات السيارات بالمبيعات المحلية مقياسا أفضل لديناميكيات العولمة مقارنة بنسبة التجارة إلى إجمالي الناتج المحلي. والنموذج المستخدم لرصد الديناميكيات النسبية للتجارة الدولية والمحلية هو ما يسميه الاقتصاديون نموذج الجاذبية الهيكلية. ويسمح هذا النموذج بإجراء مقارنات بين البلدان ومقارنات زمنية، وبالتالي تحديد ديناميكيات العولمة البديهية بدرجة أكبر مقارنة باستخدام نسبة التجارة إلى إجمالي الناتج المحلي .
ومن بين عوامل أخرى، فإن الحد من الحواجز التجارية والتقدم في تكنولوجيا المعلومات يساعد على دفع عجلة نمو التجارة الدولية بوتيرة أسرع من التجارة المحلية، وزيادة العولمة والترابط الاقتصادي والتعاون بين البلدان.
واستنادا إلى هذه البحوث، لا توجد أية أدلة وشواهد على أن الاقتصاد العالمي قد دخل عصر انحسار العولمة . فعلى سبيل المثال، اتجهت نسبة التجارة إلى إجمالي الناتج المحلي في الصين نحو الانخفاض منذ عام 2006، وهي الآن أقل من المتوسط العالمي والمستوى الذي كانت عليه في 2001، عندما انضمت الصين إلى منظمة التجارة العالمية. وبالنظر إلى التوترات التجارية الأخيرة مع الولايات المتحدة، سيكون من الصعب القول بأن الاقتصاد الصيني أقل “انفتاحا” بصورة كبيرة، كما تشير نسبة التجارة إلى الناتج المحلي الإجمالي. والتفسير الأفضل هو أن التجارة أصبحت أقل أهمية بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي للصين مع ازدهار اقتصادها المحلي.
ويتطلب تحليل العولمة اتساقا مع النظرية الاقتصادية دراسة الديناميكيات الخاصة بكل قطاع. فعلى سبيل المثال، جرت العادة أن يكون قطاع الصناعات موجها بصورة كثيفة نحو التجارة، ولكن يبدو أن التقدم الذي أحرزته تكنولوجيا المعلومات والاتصالات قد زاد من معدلات تجارة الخدمات وتداولها، مما يشير إلى المزيد من فرص العولمة في المستقبل.
الباحث: سيباستيان فرانكو بيدويا
محلل بحوث، مكتب رئيس الخبراء الاقتصاديين لمنطقة جنوب آسيا
Comments