الجديد

التوافق من حل الى أزمة ؟

نورالدين الختروشي *
الفوضى حالة من اختلال نظام الاشياء والرموز، تثير الحيرة والدهشة وتدفع العقل الى اكتشاف منطقها ومنطوقها، فتتحول الى منظومة يستكنه الادراك معانيها ، ويستوعبها في قوالب جديدة حتي يتعايش معها أو يغيرها بعد تقعيد ديناميكيتها .
في الحالة التونسية فقط تستعصي الفوضى على الادراك، لأنها لا تنتج معنى بل تحيل يوميا على صداع جديد هو بالنتيجة عبث جديد تدفع البلاد ثمنه بالحاضر والتقسيط، اخر فصول دراما الفوضى في المشهد التونسي، دشنتها حركة النهضة الحزب الاكثر ” رصانة ” و تنظيما وتماسكا واستقرارا في مشهد حزبي بائس.
فبرفضها لرغبة الرئيس ونجله تغيير حكومة الشاهد، تابعنا فصول أزمة جديدة انتهت الى اعلان الرئيس، عن نهاية توافقه مع زعيم حركة النهضة، بعد ان تطورت الاحداث الى صراع مكشوف ومفتوح بين القصبة وقرطاج.
أكد رئيس يس الجمهورية ليلة اعلانه عن نهاية التوافق، ان شريكه هو من قطع شعرة معاوية، واكد على ذلك بصيغ مختلفة ولكن بمعنى واحد ، وهو انه بصدد الاستجابة لرغبة الشريك وليس بصدد الاعلان عن موقف ذاتي
العجيب الصادم في هذا الفاصل، ان الناطق الرسمي لحركة النهضة، وكل القيادات التي مرت على وسائل الاعلام، بعد اعلان الرئيس، أكدوا ان النهضة متمسكة بالتوافق. ولعل لحظة الحيرة في مثل هذا الموضع تتحول الى ساعة ضياع وتيه ، فمن الصعب حد الاستحالة المسك بخيط من عقل لفهم ما يبدو من قطيعة بين قرطاج ومونبليزير.
نهاية التوافق في الحالة التونسية، هو اعلان عن نهاية شرعية الرافعة التي أسست للمسار السياسي بكل مخرجاته بما رشح التجربة للفوز بجائزة نوبل للسلام ، ونهاية مروية “الاستثناء التونسي ” الذي نجح في المناورة على مآلات الفتنة والتحارب على ما هو حال بقية بلدان ما سمي بالربيع العربي .
إستراتجية وحيوية عنوان “التوافق”، في الحالة التونسية، يجعل من إعلان نهايته مقامرة بالمصير العام، في ظرف دولي غامض، وإقليمي متموج، وداخلي مأزوم . يبدو ان رئيس الدولة قد استحضر كل هذه المعاني وهو يتنصل من قرار فك الارتباط ورميه في حجر النهضة .
فهو لا يريد ان يتحمل المسؤولية التاريخية والاخلاقية والسياسية في هدم أساس معمودية النصاب السياسي الجديد الذي افرزته الثورة . الازمة التي كانت في منبتها من فصول أزمة الشقوق داخل حزب الرئيس ، تحولت بعد الاعلان عن نهاية التوافق الى مأزق وطني حاد، ومفزع ومفتوح على ممكن العودة الى مربع التهارج بالمباح وغير المباح
اللعبة السياسية قد تتحول الى قسوة مخاتلة ، وفي حالة حركة النهضة التي كانت تستكمل شراب كأسها على نخب انتصارها في البلديات لم تنغص عليها السياسة فرحتها فقط، بل رمت بها بفضاضة عبوسة في أخاديد معركة كانت تبدو بعيدة عنها ، فأرتبكت في ادارة يومياتها، وبرز خطابها هشا ومواقفها مهتزة رهانها الوحيد ربح الوقت.
فمنذ اعلان الرئيس، عن تعليق الحوار، حول وثيقة قرطاج 2 ، قالت النهضة انها مع الاستقرار الحكومي، وليست مع الشاهد، وان دعمها للشاهد مشروطا بإعلانه عن عدم نيته للرئاسيات القادمة.
في الحقيقة النهضة كانت تتهرب وتتنصل من وضع كان يجب عليها فيه ان تحسم أمرها وبوضوح من البداية، وتختار بين القصبة وقرطاج، وان تتحمل مسؤولية موقفها من دون مخاتلة، بدون معنى في عرف السياسة.
فالنهضة وان كانت دفعت لمعركة لم تكن طرفا فيها فإنها وبحكم حجمها النيابي هي من تمتلك مفاتيح حسمها لصالح هذا الطرف او ذاك . وقد ضيعت على نفسها موقعا تفاوضيا مريحا مع احد الطرفين اذا حسمت امرها من البداية.
ترددت النهضة، وبررت ترددها أو بالتدقيق حيرتها، بحجج ضعيفة فقولها انها غير معنية بصراع الشقوق يسقط اذا استحضرنا انها جزء من حكومة مطلوب رأسها من قرطاج ، وقولها انها مع الاستقرار الحكومي بدعوى المصلحة الوطنية وليست مع الشاهد قول مخاتل بدون معنى لان الاستقرار الحكومي لا يعني سوى بقاء الشاهد، هذا فضلا عن خطيئة تقدير المصلحة الوطنية العليا التي من المفترض انها من اختصاص الرئاسة ، فالرئيس عقل الدولة الذي يحتكر معطف المصلحة العليا للوطن، والسبسي يبدو انه في الحالة لم يتجاوز خطيئة صديقه الشيخ.
تنصّل الرئاسة من مسؤولية فك الارتباط مع النهضة ونهاية التوافق، وتردد النهضة وعدم قدرتها على الحسم في أزمة هي من فجرتها برفضها الموافقة على رحيل الشاهد، وهي من بيدها مفتاح حلها في البرلمان ، يضع البلاد على كف عفريت ويجعل مصير التجربة والاستثناء التونسي، والبلاد على تخوم مجهول ما بعد فشل العملية السياسية والحلول الاستثنائية، التي قد تكون كلفتها المقامرة بمصير وطن.
حكيم يتعكز على اطراف المدينة، ويتمتم هل من ” وسيط ” بين الشيخين، فالسياسة في هذه المدينة لا تستوي على عقد ولا قانون، ولا تؤمن من خراب إلا بعرف “شيوخ” الأحزاب .
**محلل سياسي

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    ^ TOP