التوترات السياسية في المنطقة المغاربية .. الفرص الضائعة للاستقرار و التنمية !
منذر بالضيافي
في 17/2/1989 ، أعلن عن قيام اتحاد المغرب العربي بمدينة مراكش المغربية، من قبل خمس دول هي: المغرب والجزائر وتونس وليبيا وموريتانيا. وبحسب بيان الاعلان فان هذا الكيان الاقليمي -الاتحاد المغاربي- يهدف إلى: “تمتين أواصر الاخوة التي تربط الدول الأعضاء وشعوبها بعضها ببعض، وتحقيق تقدم رفاهية مجتمعاتها والدفاع عن حقوقها”. بعد 25 سنة، من اعلان مراكش دخل “الاتحاد المغاربي” حالة الموت السريري وتعطلت مؤسساته، و تمكنت التوترات السياسية الداخلية في كل دولة/ قطر وبين دول الاتحاد، من اضاعة “فرصا للاستقرار و للتنمية في المنطقة”.
تبرز اليوم، وبعد 25 سنة من اعلان مراكش، حالة المنطقة المغاربية “هشة” جدا ، من استمرار الانقسام الليبي المرشح للاستمرار وحتى للتأبيد، للازمة السياسية والاقتصادية في تونس، للصراع المغربي الجزائري حول الصحراء الغربية، الذي فرض على المنطقة حالة توصف ب “الحرب الباردة”، مع أن سيناريو الانزلاق الى حرب يبدوا غير وارد ويتحاشاه الجميع.
لكنه وضع فرض على المنطقة حالة من “الغليان الديبلوماسي” المعطل للاستقرار و التنمية، كما تستمر مشاكل عدم الاستقرار السياسي و المؤسساتي في دول الساحل و الصحراء وما صاحبها من ارتفاع لأرقام الهجرة الغير النظامية و كذلك تمدد خطر الارهاب، وهي أوضاع لا يمكن فصلها عن تصاعد الصراع الدولي حول المنطقة وافريقيا عموما وهي الغنية بالثروات والطاقة فضلا عن مكانتها الجيو بوليتيكية الهامة، دون ان ننسى التطبيع ووضع اسرائيل قدم لها في منطقتنا المغاربية وفي افريقيا، كلها مقدمات قادرة على تحويل المنطقة برمتها الى شرق اوسط جديد ( بؤرة توتر ).
مستقبل الوضع في المنطقة المغاربية، يدعوا النخب المغاربية وصناع القرار للتفكير في المستقبل و النظر الاستراتيجي بعيدا عن ” العنتريات” و ” اللغو النضالي”، والاهم دون تشكيك وتخوين، لان النقاش حوله سيكون مدخلا لمزيد من الانقسام المجتمعي والسياسي داخل بلدان المنطقة وفي علاقة ببعضها البعض.
ان المنطقة المغاربية – كما هو حال المشهد الدولي برمته – مقبلة على تحولات كبيرة لا نبالغ بالقول انه جاري اعادة هندسة الخارطة الجيو ستراتيجية في منطقتنا المغاربية ، التي بدأت تنكشف هشاشتها، و تقدر الدوائر الداعمة لإسرائيل انه قد يمثل فرصة للضغط لفرض التطبيع الذي انطلق قطاره من “الخليج العربي” ووصل ” المحيط المغاربي” ( المغرب)، وبرغم حرب غزة فان المساعي الأمريكية قوية لإعادة النفخ فيه، وهذا ما صرح به مؤخرا وزير الخارجية الأمريكي بلينكن، الذي صرح بأن “كل الدول العربية تقريبا تؤيد تطبيع العلاقات مع اسرائيل التي تملك “فرصة استثنائية” للتطبيع مع العرب”.
ونحن نستحضر ذكرى اعلان اتحاد المغرب العربي ( اعلان مراكش ) فان صورة دول المنطقة ، بدت لنا على النحو التالي:
1/ تونس، مثقلة ومرهقة اقتصاديا واجتماعيا فضلا عن صراع سياسي يرتقي للانقسام، و يخشي أن يمتد ليؤثر على الانسجام والتماسك المجتمعي، في سنة انتخابية مهمة، و نعني هنا الاستحقاق الرئاسي، الذي من المتوقع أن يتم في الثلاثية الأخيرة من السنة الجارية، وان يبدو فيه الرئيس الحالي قيس سعيد الأوفر حضا، فان الحدث الانتخابي سيكون مناسبة لمعارضي الرئيس لمزيد الضغط السياسي و الحقوقي.
2/ ليبيا، برغم كل محاولات التسوية فإنها بصدد التحول الى “دولة فاشلة” – حكومتين وتدخل اقليمي ودولي كبيرين يؤبد حالة الانقسام – وهي بؤرة صراع اقليمي ودولي وخاصرة تهدد امن المنطقة واستقرارها.
3/ الجزائر، الدولة الغنية والممتدة جغرافيا تعاني بدورها من قلق مجتمعي ومن حراك سياسي قتل في المهد، برغم ان الظرف الدولي اعادها للمشهد مستفيدة من ارتفاع اسعار الطاقة، ما جعل النظام القائم في وضع مريح وهو القادم أيضا على استحقاق انتخابي من المرجح أن يعيد تثبيت تبون في قصر المرادية.
لكن ما يزعج الجزائر، هو الجبهة التي فتحها التطبيع المغربي الاسرائيلي نظير الصحراء الغربية، التي تعد قضية جزائرية بامتياز، يزعج النظام والجيش الجزائري، ما يجعل فرضية تمدد وتواصل التوتر بين البلدين هي المرجحة للاستمرار، توتر رمى بظلاله على كامل الاقليم، في ظل حصر البلدين للعلاقات الخارجية، من زاوية الموقف من القضية الصحراوية ( معي أو ضدي)، ما جعل العلاقة بين تونس والمغرب تعرف حالة من “البرود”، بعد استقبال تونسي رسمي لزعيم “جبهة البوليزاريو” ( استقبال الرئيس قيس سعيّد زعيم جبهة البوليساريو إبراهيم غالي الذي دُعي للمشاركة في القمة اليابانية الأفريقية للتنمية ).
4/ المغرب، الحالة الاقتصادية في انهيار كبير ، بعد الكوفيد والحرب الروسية الاوكرانية وتمدد الجفاف، اما جيو استراتيجيا فان علاقات الرباط بمحيطها وايضا مع اوروبا ( المانيا وفرنسا) تشهد توترا غير مسبوق، واصرار المملكة المغربية على وضع ملف الصحراء الغربية معيار لضبط علاقاتها الدولية ، ادخلها في مطبات وجعل دبلوماسيتها اكثر ” تشنجا”.
5 / موريتانيا، تشير أحدث التقارير، انه وعلى خلاف ما حصل قبل 3 عقود، وتحديدا مع بداية المسار الديمقراطي في موريتانيا، مع السماح بالتعددية السياسية في 1991، حينها شكّلت المعارضة الموريتانية جبهة موحّدة للتغيير تضم مختلف الحركات السياسية؛ اليسارية والإسلامية والقومية والحقوقية المعارضة للرئيس آنذاك ولد سيدي أحمد الطايع، لكن يبدو هذه المرة أن الندّية بدأت تنحسر، لصالح السلطة على حساب المعارضة.
ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها منتصف العام الجاري، فإن النظام الحاكم قد لا يشعر بالمنافسة بالنظر لعدوى الانسحابات التي تجتاح أحزاب المعارضة، منذ وصول محمد ولد الشيخ الغزواني إلى سدة الحكم.
المشهد المغاربي الماثل في الواقع، يجعل المنطقة المغاربية مقبلة على توترات قد تفضي الى حالة من الصراع وعدم الاستقرار، خصوصًا في ظل تواصل خطر الجماعات الارهابية، والصراع حول السيطرة على شرق المتوسط، ومحاولات الاكراه الجارية لفرض التطبيع، والتي تحولت الى واقع في المشهد المغاربي، الذي كنا نقدر ان بعده الجغرافي سيمنع وصول النيران المباشرة التي فرضها الكيان الاسرائيلي على الشرق الاوسط ودول الجوار له خاصة .
مما تقدم هل ستصمد تونس و بقية دول المنطقة على موقفها الرافض للتطبيع مع اسرائيل في اوضاع هشة بل رخوة امنيا واقتصاديا و عدم استقرار سياسي؟ وما هي ضريبة هذا الصمود – لو استمر – ؟
يبقى الوضع المغاربي “هش”، خاصة مع استمرار حالة اللاحرب واللاسلم في ليبيا، خصوصًا في ظل تعثر التسوية السياسية، وتفجر ملف “الهجرة الغير نظامية” الذي اصبح مزعجا أمنيا و سياسيا، على أن “ملف الصحراء الغربية” واستدامة التوتر بين الجزائر والمغرب، يبقى أكبر حاجز أمام انطلاقة العمل المشترك بين دول المنطقة، فضلا على كونه يجعل مخاطر عدم الاستقرار هي الغالبة.
وفي هذا السياق، الذي تغلب عليه عناصر التوتر بين الجزائر و المغرب، نشرت الخبيرة الأميركية في شؤون شمال أفريقيا، سابينا هينبيرغ، مقالا في مجلة “ناشيونال إنترست” الأميركية، محذرة من استمرار “الغليان” الدبلوماسي في المنطقة المغاربية بسبب قضية الصحراء الغربية.
واشارت الباحثة الأمريكية، أنه لسوء الحظ، لا يبدو أن مستوى التوترات الأخيرة بين الجزائر والمغرب سينخفض في أي وقت قريب. كما رأينا، يتخذ كلا البلدين مواقف حازمة بشكل متزايد في ساحة السياسة الخارجية. على سبيل المثال، يحاولون مغازلة دول أفريقية وغربية وشرق أوسطية من أجل استمالتها لوجهة نظرهما بشأن الصرع.
برغم “البرود” في العلاقات التونسية المغربية، فان تونس الى جانب موريتانيا، بإمكانهما العمل على تخفيف منسوب التوتر بين الجزائر و الرباط، على الأقل بغاية تجنيب المنطقة الانزلاق نحو “توتر شديد”، يهدد الأمن والاستقرار في المنطقة، خصوصا في ظل حالة عدم الاستقرار في دول الساحل والصحراء واستمرار خطر الارهاب .
Comments