الثورة في عامها الثامن .. استعادة المشهد القديم، لكن بتوحش أكبر
كتب: مختار الدبابي
ليس هناك شك في أن الوضع الاقتصاد والاجتماعي بالبلاد في أسوأ أحواله، وأن الثورة، أو من تصدوا لقيادتها، جيروها لخدمة المنظومة القديمة، وعاد وكلاء الشركات الدولية إلى التحكم برقاب الناس، وصارت القوانين والتسهيلات تصاغ لخدمتهم، وفتحت الأبواب أمامها للثراء على حساب الطبقات الضعيفة، بما في ذلك الطبقة المتوسطة التي فقدت توازنها.
وساعدت “أحزاب الثورة”، أي الوافدون إلى المشهد العلني بعد 14 جانفي 2011، على رهن البلاد ومؤسساتها بما في ذلك البرلمان لخدمة الطبقة الرأسمالية المتوحشة، وصار أغلبهم، يمينا ويسارا، وكلاء ثانويين في خدمة وكلاء الشركات الدولية.
والمفارقة المستعصية أنه إذا سكت الناس ستأكلهم “إصلاحات” الرأسمالية المتوحشة التي ينفذها التحالف الحكومي الحالي على قدم وساق، وإذا ثاروا ستعود الرأسمالية نفسها أقوى وأنذل، فلديها من الأدوات والوجوه والخطط لتتنمر من جديد.
ليس هناك شك في أنه تجري محاولات لـ”تثوير” الناس في سياق صراع الأجنحة داخل المنظومة القديمة، ومراكز النفوذ الاقتصادي فيها بالذات، عبر التباكي على حقوقهم وتضخيم الوضع الذي يعشونه، عبر التسريبات، أو من بوابة وسائل إعلام خاصة صار معروفا لدى الجميع هويات مالكيها وأجنداتهم واصطفافهم.
لكن لا يستطيع أحد أن يقول للناس اصمتوا ولا تشتركوا في “مؤامرة” تغيير جديد يخرجكم من واقعكم المأساوي.. كيف ستقول لسكان ولاية منسية مثل القصرين اسكتوا وحذاري أن تكونوا وقود معركة بين لوبيات تتصارع في معركة كسر عظم، وأنت تعرف جيدا أنه يجري ترتيب المشهد لتدفع هذه الولاية ضريبة صراعاتهم وحساباتهم، وأن سكانها الفقراء والمهمشين سيكونون مختبرا للعبة، فهم الحقل الأسهل والساحة الأكثر جاهزية دائما لاحتضان الصراع بسبب سياسات الدولة الوطنية الحديثة، بما في ذلك حكومات ما بعد الثورة التي اختارت أن تنحاز بوعي إلى جانب “البلْدية” وأن تكون أحزابها وقياداتها أدوات فعالة لتثبيت سلطة هذا الشق أو ذاك.
يبدو الأمر أكثر سريالية، لأنك لم تعد ترى وجه الثورة والثوار سوى على صفحات التواصل الاجتماعي، حيث تقرأ وتتمللي أحلام أصدقائك القدامى، لكن على الأرض كل الطرق تؤدي إلى استعادة المشهد القديم، ولكن بتوحش أكبر.
Comments