الجبالي يشخص وضع “النهضة” ويقدم عرضا للغنوشي
طغت مسألة الخلافات التي تشق حركة النهضة في المدة الأخيرة على كل أوجه اسهامها في الحياة السياسية خاصة بعد أن رفع المعنيون بهذه الاختلافات كل أشكال التحفظ و اصبحوا لا يتحرجون كما دأبوا في السابق من نشر ” الغسيل الداخلي ” على الملأ.
يبدو أن الإحساس بدقة الوضع و ربما الرغبة في ربح بعض الوقت هو الذي دفع رئيس الحركة راشد الغنوشي للاستنجاد بحمادي الجبالي في مهمة ” تطويق الحريق ” و إعادة ترتيب البيت. و بعد جولة إتصالات مع المعنيين بالأزمة نشر حمادي الجبالي نص الوثيقة التي وجهها لرئيس الحركة و التي تمثل تشخيصا للوضعية التي تعيشها حركة النهضة و التي اعتبرها حمادي الجبالي خطيرة و أنها ” تستنزف الرصيد المعنوي للحركة ” لأنها خلقت ” التنافر ” بين أبناء الحركة .
أما سبب هذه الوضعية و ما اعتبره الجبالي ” المشكل الحقيقي ” فهو ” التمديد من عدمه لرئيس الحركة ” و هو ما يجعله أن المدخل للإصلاح من أجل بلوغ شاطيء إنعقاد المؤتمر الوطني الحادي عشر للحركة هو ” أن يلتزم رئيس الحركة التزاما صريحا بعدم الترشح لرئاسة الحركة في أعقاب المؤتمر و أن لا ينقح خلاله القانون الأساسي للحركة بما يتيح له الترشح “.
و بهذه الدرجة من الوضوح فإن رسالة حمادي الجبالي تجعله يأخذ مسافة واضحة من راشد الغنوشي و يقترب أكثر من الخط المعارض له إذ يحد بشكل واضح من حرية المناورة لديه و ” يقبر ” فعليا المبادرة التي تقدم بها مؤخرا القياديان عبد الكريم الهاروني و رفيق عبد السلام و هما المحسوبان على راشد الغنوشي و التي ارادا من خلالها إيجاد وضعية ” القيادي فوق المؤسسات” للرئيس الحالي للحركة.
في المقابل منح حمادي الجبالي ” ترضية ” من خلال إغلاق باب المشاركة من خلال عضوية مجلس الشورى في إعداد المؤتمر إذ وقع استبعاد عبد الحميد الجلاصي و لطفي زيتون و عماد الحمامي و محمد بن سالم و ما يجمع بين هؤلاء أنهم هاجموا راشد الغنوشي شخصيا.
و يبدو أن حمادي الجبالي قد حرص على أن يمنح نفسه ما يكفي من ” الحصانة التنظيمية ” و هو الذي اكتوى سابقا من نار مناورات راشد الغنوشي فأكد على ضرورة أن يقع التنصيص بوضوح على أنه الأمين العام للحركة و الشخص الثاني فيها و أن تمنح له كل ” الصلاحية في تشكيل المكتب التنفيذي “.
و من هذا المنطلق أنهى الوثيقة باقتراح خمسة و عشرين اسما لتشكيل المكتب التنفيذي و ما يلاحظ في هذه التركيبة أنها حرصت على التوازن بين مؤيدي راشد الغنوشي و معارضيه .
لكن السؤال الذي يطرح نفسه يتمثل في معرفة حظوظ هذه المبادرة في النجاح خاصة و أن بعض المصادر المقربة من رئيس الحركة راشد الغنوشي أشارت إلى أنه من الصعب أن يصادق مجلس شورى النهضة على هذه الوثيقة.
و هو ما يعني عمليا أن هذه المبادرة قد تكون ولدت ميتة و إن كان حمادي الجبالي لم يخسر كثيرا إذ أظهر أنه محايد و إستطاع أن يعود إلى كواليس الحركة من الباب الكبير و قد تجعله معرفته بخفايا التنظيم رقما مهما و وازنا في المعادلة النهضوية في الأشهر المقبلة.
Comments