الجديد

الحجر الصحي ام الحشر اللاصحي؟

خليفة بن سالم

اتخذت الحكومات في مجابهتها لتفشي لوباء كورونا قرار الحجر المواطني تحت يافطة الحجر الصحي، على ان عبارة الصحي تحيلنا عند تفاصيل من قبيل توفر الظروف الصحية الملائمة لهكذا اجراء، و لكن هل المنازل و سكن عموم المواطنين مؤهل ليلعب هكذا دور.

بالتأكيد قلة قليلة بإمكان سكنهم ان يوفر امكانات الحجر الصحي، اما عموم الشعب الكريم فهم في “الحشر اللاصحي”، هذا الحشر ستكون له تبعات عديدة، فأفراد الاسرة صاروا ملزمين بالجلوس الى بعضهم البعض ايام وايام، فيما المجريات العلائقية لليومي ما قبل الحجر، كانت قائمة على الخلافات و الخصومات و التوتر الدائم بين مكونات الاسرة( عرك و معروك).

كل ذلك كان يحصل لأسباب متعددة منها الازمات العاطفية بين الازواج و الازمات الاجتماعية بفعل صراع الاجيال ( الاباء والابناء/ الزوجات و امهات الازواج الخ) كلها و قائع الاسرة اليومي.

فيما الشارع بمقاهيه و حاناته و ملاهيه وملاعب الكرة و غيرها من المناشط يمتص هذه المشكلات، اذا ما أضفنا عليها ازمنة الشغل يبقى الزمن الذي يقضيه المرؤ في المنزل قليل، يلتهم منه النوم الشي الكثير.

ولكن بمفعول الحشر هذا صار الجميع في وجوه بعضهم البعض، واذا ما طالت المدة فان مخلفات التصادم بين مكونات الاسرة الواحدة، سيمنح وجها جديدا للعائلة تختلف باختلاف تموقعها الطبقي.

اذ الفضاء وجغرافيته ينعكس بالضرورة في سلوك الافراد خاصة في مجتمع كمجتمعنا يشهد منذ سنوات توتر كبير في العلاقات بين الازواج،  صاروا اليوم هروبا من كورونا الذي احتل الشارع ملزمين بالتعايش الاجباري مع بعضهم البعض.

في الحجر يرقب المرؤ حدوده، الناس بدأوا يغيرون من ازمنة نومهم و ازمنة اكلهم، و صار الازواج كما لو كانوا في سجن مساحة بين المطبخ و الفرجة التلفزية، و طلبات الابناء التي لا تنتهي فيما ضيق الفضاء يلتهم كل امكانية للاختلاء بالذات.

الحجر فرضية تقتضي احلال المسافات بين الذوات، اما الحشر ان يكون الجميع في و جوه بعضهم البعض، فبالله عليكم عدد افراد الاسرة التونسية مع معدل مساحة السكن عند عموم التونسيين، يجعل من الحالة حجرا ام حشرا.

عموما اذا استمرت الحالة اكثر من شهر علينا ان نعد العدة للمرافقة العلاجية النفسية للناس المحجر عليهم، وهم ملزمون بمتابعة وسائل الاعلام و هي تصب عليهم وابل من الاخبار مضمونها إحصائيات عن توسع و انتشار الفيروس، اكثر من مصاب جديد، موتى جدد..

الخطر قادم ومن كل اتجاه ومن كل احتمال اب / ام/ اخ /قريب ام بعيد/ الاعراض تبدو ممكنة، و من ثمة في ظل كل هذا القصف الاعلامي، كل واحد يشعر كما لو انه مصاب.

نعيش اليوم هستيريا جماعية اثارها و تبعاتها ستظهر لاحقا، و ستخلف نمطا سلوكيا جديدا بين الافراد، متي سيتعافى الافراد من خوف بعضهم من بعض، كونهم لا يحملون معهم خطر العدوى.

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

There are 2 comments for this article

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    ^ TOP