الجديد

منذر بالضيافي

“الحجر” على مجلس نواب الشعب .. لمحاربة الكورونا أم لمآرب أخرى ؟  

منذر بالضيافي

من خلال ردود الأفعال الأولية، نلاحظ أن الكلمة التي توجه بها ليلة أمس، السبت 21 مارس 2020، رئيس الحكومة  الياس الفخفاخ، والتي أعلن فيها عن مجموعة من الاجراءات للحد من تداعيات تمدد فيروس كورونا على كافة المجالات الحياتية، كانت محل قبول ورضا، لدى قطاعات واسعة من التونسيين بمختلف شرائحهم. باستثناء طلبه التفويض من مجلس نواب الشعب لـ”تمكين الحكومة من إصدار مراسيم لاتخاذ التدابير المستعجلة لمكافحة فيروس كورونا”، الذي يتوقع أن يكون محل جدل ولا يستبعد أن يتم رفضه من قبل البرلمان؟

 خطاب الوضوح

يرجع هذا القبول و “التفهم”،  الى رغبة التونسيين في تحقيق الحد الأدنى من “التوافق”، و من “الوحدة الوطنية”، لمواجهة “حالة الحرب” التي دخلت فيها البلاد، فالمعارك تفترض توحيد الجهود، وبالتالي عدم اعطاء العدو فرصة النفاذ من داخل البيت الواحد.

كما يرجع أيضا هذا التفاعل الايجابي، الى وعي رئيس الحكومة بضرورة الابتعاد عن الخطابات الانشائية والغير مفهومة، التي طبعت الأداء الاتصالي لرأسي السلطة التنفيذية (رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة)، والتي استدعت بيانات وخطابات اضافية للتفسير والتوضيح.

بالعودة لخطاب الفخفاخ الأخير، نشير الى أنه من حيث الشكل و “المهارات” الاتصالية، يعد الأفضل للرجل منذ وصوله لقصر القصبة، وهذا طبعا لا ينفي ما برز من تلعثم يفسر بحالة الارتباك والضغط الكبير،  في التعاطي مع أزمة مستجدة ، لا في تونس فقط بل في العالم بأسره.

اذ تكلم بلغة مفهومة وقريبة من التونسيين في تواصلهم اليومي، وهو ما سهل عليه عملية التبليغ، فضلا على أن الاجراءات – وبعيدا عن مضمونه – كانت مرتبة وواضحة، وبمنهجية خضعت لمنطق ترتيب الأولويات.

أخيرا ، وفي باب البعد الاتصالي، على رئيس الحكومة أن يكون محترما اكثر لمواعيد الظهور، ونعني هنا الالتزام بالتوقيت المعلن عنه مسبقا، خصوصا وأن التأخير المتكرر والمبالغ فيه، قد فتح الباب على مصرعيه لتداول الاشاعات، في مناخ سياسي متسم بما أسماه رئيس الجمهورية  قيس سعيد “المضاربات السياسية”.

التباس سياسي .. غموض التفويض

البعد السياسي كان حاضرا وبقوة في “كلمة” الفخفاخ، وهو الذي اختتم خطابه بطلب تفويض من مجلس نواب الشعب لـ”تمكين الحكومة من إصدار مراسيم لاتخاذ التدابير المستعجلة لمكافحة فيروس كورونا”. فما هي مدي مشروعية هذا الطلب ؟ وهل سيتفاعل البرلمان معه بصفة ايجابية في مناخ سياسي سمته “صراع الصلاحيات” بين الرئاسات الثلاث؟

بعد استعراض الاجراءات وطمأنة التونسيين، أعلن الفخفاخ على أن البلاد دخلت في مرحلة أو الأصح في “حالة الحرب”، وهي وضعية لا صوت يعلو فيها على صوت القائد الواحد، ما يفترض مركزة القرار السياسي، وبالتالي تجنب وضعية تشتت القرار التي عليها تونس اليوم، وكانت الرسالة موجهة تحديدا لمجلس نواب الشعب (البرلمان).

لم يفاجئ طلب الفخفاخ التفويض من البرلمان، للحلول محله في التشريع وفي اصدار المراسيم، التي تحول الاجراءات المعلنة الى الواقع العملي، على اعتبار وان هذا كان مطلب علني وواضح في “الوثيقة التعاقدية” لحكومته قبل أن ترى النور اصلا، مطلب تم احياؤه والنفخ فيه في اخر اجتماع لمكتب البرلمان.

طلب رئيس الحكومة والالحاح عليه قبل وبعد أزمة الكورونا يثير العديد من الأسئلة التي تبحث لها عن أجوبة في مناخ سياسي تعرف فيه العلاقة بين السلطات الثلاث أزمة ثقة كبيرة.  لذلك نسال بدورنا وبإلحاح أيضا: لماذا يصر الفخفاخ على وضع البرلمان في “الحجر الصحي” وأخذ مكانه؟  وهل فعلا الحرب على الكورونا تقتضي مثل هذا الطلب الذي سيعطل البرلمان الى أجل قد يطول نظرا لكون الأزمة تبدو مفتوحة وغير معلومة متى تنتهي؟.

هل يقبل الغنوشي التنازل عن صلاحيات البرلمان؟

من المتوقع أن يثير طلب الفخفاخ جدلا كبيرا لا في مجلس نواب الشعب فقط بل أيضا في الساحة السياسية والاعلامية، خصوصا وأن مكتب البرلمان في جلسته الأخيرة رفض هذا المطلب وبالإجماع، قبل أن يعود رئيس الحكومة لعرضه وبشكل رسمي وعلني، في خطوة ستضع البرلمان في حالة “حرج سياسي” أمام التونسيين، خصوصا وقد تم ربطه ب “الحرب” على الكورونا.

في أول رد على خطاب الفخفاخ كتب النائب والقيادي في حركة النهضة مختار اللموشي، في صفحته الرسمية على فايسبوك، أن ”نواب الشعب على استعداد لآداء الواجب والوقوف في الخط الأمامي والمرابطة وسن التشريعات اللازمة من أجل الشعب والوطن”، متابعا ”لا حاجة للتفويض”..

وهو ذات الرأي الذي تتمسك به الكتل البرلمانية الوازنة وكذلك رئيس البرلمان راشد الغنوشي الذي لا يتوقع أن يساير طلب الفخفاخ، ويقبل بالتنازل ولو لمدة محدودة عن سلطته. ما يجعلنا نذهب الى ذلك، هو أن طلب رئيس الحكومة ، يأتي في سياق سياسي يتسم كما بينا  بتصاعد حرب الصلاحيات.

وضمن هذا الجدل، كتب نوفل سعيد شقيق رئيس الجمهورية، أن ”البرلمان مطالب بمسايرة قاطرة السلطة التنفيذية في القرارات التي اتخذتها والتصويت بسرعة على قانون التفويض (الفصل 70 فقرة 2 من الدستور)”..

البرلمان .. أشغال مفتوحة

من جهته، قال النائب السابق لزهر الظيفي: “اعتقد انه على المجلس ان يدخل تغييرات سريعة في الاجراءات على المصادقة على القوانين تخص آجال النظر فقط خاصة و ان صبغة اولوية النظر متوفرة و عليه ان يبقى في جلسة عامة مفتوحة للبت عاجلا في كل القوانين القليلة التي يستوجبها الوضع لان الإجراءات المعلن عنها يمكن تمريرها في جلها وفق المشاريع المتوفرة و أقصى الحالات في قانون واحد ينضاف الى قانون الطوارئ”.

ورجح الظيفي اسباب الرفض المنتظرة من البرلمان الى ” ان هذا المشروع يعود اقتراحه الى خطة دخلت في إطار تشكيل الحكومة وهو ما يجعل هذا التفويض يخرج عن إطار الحال بل الطلب هو بخلفية سابقة و لأيمكن إدخال معالجة الأزمة في تجاذبات سياسية هدفها اخراج الصراعات بين السلط للعموم تحت عباءة الأزمة”.

و شدد الضيفي أنه “على مجلس نواب الشعب ان يظهر تفرغه التام و الدائم لمواجهة الوضع بالقوانين القليلة المطلوبة لان ترسانة القوانين المتراكمة منذ الاستقلال كافية جدا لمعالجة الوضع”.

ولعل هذا ما يفسر دعوة رئيس البرلمان الى جلسة عامة للبرلمان يوم الثلاثاء المقبل، وتشير مصادر مطلعة على أنها ستنظر في طلب رئيس الحكومة، والأقرب أنها ستتجه لرفضه ، مع الاعلان عن دخول مجلس نواب الشعب في جلسة مفتوحة، ودعوة النواب الى “التجند” للقيام بدورهم في هذه الظرفية الاستثنائية.

للإشارة، فان مجلس نواب الشعب، كان من أول المبادرين للاهتمام بتداعيات أزمة فيروس كورونا، وقد انتقد رئيسه في تصريح سابق طبيعة تعاطي السلطة التنفيذية مع الأزمة ودعا الى اجراءات استثنائية قبل فوات الأوان، وهي تصريحات كانت وراء دعوة الرئيس السعيد الى احترام السلطات لاختصاصاتها والابتعاد عما أسماه ب “المضاربات السياسية”.

 

 

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    ^ TOP