الحوار البرلماني .. و ضعف “الطبقة” السياسية
يبدو أن مناقشة ميزانية الدولة للسنة القادمة لن تأتي بالجديد في ظرف يتطلع فيه أغلب التونسيين و التونسيات إلى “رجة نفسية ” إيجابية تخرجهم من شعور ما انفك يتضخم و ينتشر بأنهم أصبحوا أسرى متاهة صراعات النخب الهامشية و تفشي الشعبوية و عجز المؤسسات عن الاشتغال بشكل عادي .
عكست مداخلات أغلب النواب استمرار طغيان طريقة التفكير ” التقليدية ” التي فرضت نفسها في السنوات الأخيرة و التي تقوم على البحث عن المناكفة و استعادة نفس الكلمات و العبارات و هو ما لم يفلت منه عدد كبير من ” الراسبين” و ” الملتحقين حديثا” حسب التقسيم الجديد لاعضاء مجلس نواب الشعب تبعا لمداخلة النائب سامية عبو.
و لا شك أن النواب لا يتحملون بمفردهم مسؤولية عدم القدرة على القطع مع ” طاحونة الشيء ” المعتاد لأنهم يمثلون مكونا من مكونات مشهد سياسي مأزوم و لا يقدر لحد الآن إلا على إعادة إنتاج الأزمات في ظل ضعف الأحزاب السياسية إلى درجة أنها تكاد تكون غائبة و انغلاق الإعلام الذي لم يغادر مربع البحث عن الإثارة و عاد إلى نقطة ” الجمود ” التقليدية التي تقوم على التكرار و أضاف إلى ذلك تحوله إلى ما يشبه النادي المغلق في مستوى توجيهه و هو ما جعله يراوح في أغلب المؤسسات الإعلامية بين الانحياز الواضح و المكشوف و منطق المحاصصة الإعلامية الشكلية كامتداد لمحاصصة محكومة بالاعيب الكواليس أكثر مما هي خاضعة لقواعد المهنية.
هيمنة الكواليس و منطق ” المؤامرات ” على ذهنية أهم الفاعلين في المشهد السياسي انعكست على تفاعل المؤسسات السياسية في ما بينها. فقد كان لافتا أن رئيس الحكومة هشام المشيشي لم يكلف نفسه عناء التفاعل بشكل عميق مع تساؤلات و تحاليل النواب في ما يتعلق ببيان الحكومة و اكتفى برد مختصر ضمنه رسائل شبه مكشوفة للأطراف السياسية التي تتحكم في مصير حكومته و التي لا يعتبر على ما يبدو أن مجلس نواب الشعب من بينها.
أما الوزيرة مديرة الديوان الرئاسي نادية عكاشة فقد ذهبت إلى أبعد من ذلك حين صرحت بوضوح أنه لا دخل لمجلس نواب الشعب في ” مساءلة ” و ” محاسبة” رئيس الجمهورية و هو موقف غير مسبوق في تاريخ الحياة السياسية في تونس و مؤشر على مستجدات قادمة من ناحية و على خلل هيكلي في النظام السياسي و في بناء المؤسسات السياسية في تونس الجديدة شأنه شأن استقلالية مؤسسة البنك المركزي.
الأيام الأولى لمناقشة ميزانية الدولة للسنة القادمة عكست حدة الأزمة بل أشارت إلى أنه من الصعب على ما يبدو تخطيها في الأيام القادمة خاصة و أن الوضع الإقتصادي يزداد تدهورا و أن تهميش البرلمان قد تحول إلى معطى ملموس في ظل تواصل العلاقة الغامضة بين ” الرئاسات الثلاث ” و ما يحمله هذا الغموض من إشارات غير إيجابية بالنسبة للمستقبل و بعد أن ساهم عدد كبير من البرلمانيبن في سكب الماء في طاحونة الساعين للحد من دورهم بممارساتهم التي أضعفت تأثيرهم.
و كشفت مداولات مجلس نواب الشعب أنه من الصعب أن يلتقي قريبا الفرقاء السياسيون حول طاولة حوار وطني كما يسعى إلى ذلك البعض لأن أزمة الثقة تزداد اتساعا بين الجميع بكل ما يعنيه ذلك من احتمالات غير مطمئنة.
Comments