الدكتور سالم لبيض يكتب، “عن “بلعيد” والإسلام والدستور”
سالم لبيض**
لا يوجد أدنى شك في أن “الصادق بلعيد” يعلم علم اليقين الفارق الجوهري بين “الإسلام”، “الدعوة الطاهرة لهذا العالم” كما يقول علي عبد الرازق في كتابه “الإسلام وأصول الحكم”، و”الإسلام السياسي وأحزابه وتياراته تنظيماته التكفيرية وهويتهم القاتلة”، ومع ذلك فهو يصرّ على إلغاء الفصل الأول من الدستور التونسي لسنتي 1959 و2014. الغريب أن رجلا قضى عمره في البحث والتدريس والكتابة والنشر، لم يغادر الهلوسات الأيديولوجية الأولية التي نُشّأ عليها في أثناء مراهقته السياسية.
لا يوجد دستور واحد في الكون لا ينصّ على هوية الشعب ومكوناتها الأساسية ودورها في صنع ذاتيته وثقافته وحضارته الشاملة. الإسلام بالنسبة للتونسيين ليس مجرّد دين، وإنما هو عنصر رئيسي في هوية المجتمع الذي تنظمه الدولة بواسطة دستورها وقوانينها ومؤسساتها. الإسلام في تونس الذي دخلها منذ 15 قرنا لا يترسّب في أصغر خلايا المجتمع فقط وإنما يسكن الشخصية القاعدية للتونسي مثله في ذلك مثل الإسلام في فلسطين ومصر حيث لا يمكن التفريق في سلوك الناس بين المسلم والمسيحي لأن الإسلام تحوّل إلى مكونّ حضاري شامل.
يعتقد “بلعيد” انه بجرّة قلم منه، سيُمحى الفصل الأول من الدستور التونسي الذي فصل القول في مسألة الهوية وحسمها بشكل عقلاني متميز، لقي إجماع المؤسسين بجيليهما، ورضاء جلّ النخب وكافة التونسيين على مدى 63 سنة، وستنتهي قصّة الإسلام في تونس وإلى الأبد، وسيرتاح هو وأمثاله من هذه السيمفونية التي طال أمدها، ولكن اعتقاده هو مجرّد توهّمات سبقه إليها آخرون، ذهبوا، وذهبت معهم كثير من تنظيمات الإسلام السياسي وإفرازاته التكفيرية التي أرّخ لها أول مرّة أبو الحسن الأشعري في كتابه “مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين” الصادر في النصف الأول من القرن الرابع الهجري، وسيذهب هو، بحكم التداول، ويبقى الإسلام دين المجتمع والدولة في تونس.
مناهضة “بلعيد” إدراج الإسلام في الدستور الموعود، سيعقبها قريبا رفض إدراج اللغة العربية وتجريم التطبيع ونصرة القضية الفلسطينية والوقوف إلى جانب حركات التحرر في العالم، وسيصبح بعد ذلك دستور “بلعيد” نصا بدون روح ومعنى وهوية وخصوصية تونسية، قابل للسحب على كافة مجتمعات الكرة الأرضية.
فأي عبث سيلحق تونس والتونسيين من هذا النص الخاوي مما يرمز إلى جذورهم العميقة وهويتهم وكينونتهم التاريخية والثقافية الأصيلة التي يباهون بها الثقافات الأخرى دون عقدة تاريخية وحضارية ومركّبات تكبّر أو نقصان؟ فالهوية هي عنوان معاركهم ضد الاستعمار، وهي فخرهم الذي يتوارثونه، ككل الشعوب والأمم، جيلا بعد جيل.
** هذ الرأي، هو تدوينة نشرها النائب السابق وأستاذ علم الاجتماع الدكتور سالم الأبيض، أعدنا نشرها تعميما للنقاش .
Comments