الدور الثاني للرئاسية: الغموض الكبير !
كتب: منذر بالضيافي
تواجه الجولة الثانية من رئاسيات تونس، صعوبات ترتقي الى المخاطر الحقيقية، عبرت عنها الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، التي لمحت لإمكانية الغاء الدور الثاني، وذلك على خلفية تواصل وجود المرشح نبيل القروي في السجن، وما يعنيه ذلك من انعدام تكافؤ الفرص مع المرشح الثاني قيس سعيد.
ومن هنا تحركت “هيئة بافون” يمينا وشمالا لتجاوز هذا المأزق، الذي لو استمر فانه سيتم القدح في الانتخابات وفي شرعيتها، وهذا ما بدأنا فعلا نلاحظ مقدماته، من خلال تصريحات وكتابات في الداخل كما في الخارج، فضلا عن ممارسة ضغط خفي وظاهر خاصة من فرنسا ترجم من خلال “الاعلام الباريسي”، من أجل اطلاق سراح القروي.
ليتحول بذلك فك سجن الرجل الى “مطلب ديمقراطي”، خوفا على سلامة العملية الانتخابية وكذلك على مصير مسار الانتقال الديمقراطي، الذي اصبح مهددا وما قد يصاحب تعثره من تداعيات سلبية على الاستقرار، في وضع اقليمي ودولي يتسم بحالة من عدم الاستقرار ، وارتفاع للمخاطر الأمنية.
وهو ما جعل منسوب “التخوفات” و “القلق” و “الحيرة” يرتفع داخل كل فئات المجتمع التونسي. الذي اصبح لسان حال غالبيته يذهب نحو أن “الديمقراطية” بصدد التحول من “فرصة” الى “مأزق”.
ولعل هذا ما يفسر “الفتور” و”الرتابة” التي ميزت الحملة الانتخابية للاستحقاق التشريعي المقرر ليوم الأحد القادم 6 أكتوبر الجاري، برغم أهمية هذا الاستحقاق، باعتبار وأن النظام السياسي الذي اقره دستور 2014، هو أقرب الى البرلماني حيث يمسك رئيس الحكومة بكل السلطات التنفيذية، ويكاد يكون دور الرئيس استشاري وخاصة في قضايا الأمن القومي والسياسات الخارجية.
لكن، مع ذلك فان المزاج العام في تونس، لدي النخب كما الجماهير، ما يزال مزاجا رئاسيا وبامتياز، ولعل هذا ما يفسر الحماسة التي صاحبت ولا تزال الانتخابات الرئاسية، وكأننا ما نزال في نظام رئاسي .
بالعودة للانتخابات الرئاسية، نلاحظ أن الجولة الثانية منها تواجه تحديات جسيمة، فرضتها ثلاثة عوامل رئيسة، وهي:
- تواصل سجن القروي
- ارتباك هيئة الانتخابات وعدم تحديد موعد للدور الثاني
- بقاء موازين القوي غير محسومة بين المعسكرين، اللذين تكونا حول المرشحين للدور الثاني من الرئاسية
أثرت العوامل الثلاثة التي أتينا عليها على أداء هيئة الانتخابات، التي – وان كان السواد الأعظم يقدر جهودها – الا أنه مع ذلك هناك اشارات لا تخفى عن حالة الارتباك التي تعاني منها، وهي المفروض أن تكون لها “الولاية الكاملة” على العملية الانتخابية.
يبرز هذا الارتباك من خلال السكوت عن عديد التجاوزات التي صاحبت العملية الانتخابية بداية من الحملة الانتخابية، وفي علاقة بالإشهار السياسي وبتجاوز سقف تمويل الحملة لعدد من المترشحين و كذلك ستغلال وتوظيف مقدرات الدولة، التي كانت محل تضملا وشكوى جل المتابعين والملاحظين.
لعلها نقاط جوهرية – وان لم تؤثر على النتيجة النهائية – فإنها مع ذلك تحسب في ميزان سيئات الهيئة، ولعل هذا التقصير هو الذي دفع بافون (رئيس الهيئة) وفريقه الى وضع كل ثقلهم لإيجاد حل “مشرف” لمشكل أو مأزق تواصل سجن المرشح للدور الثاني نبيل القروي.
وهنا لابد أن نشير الى مطالبة عدد من الاعلاميين وكذلك منظمات مجتمع مدني، من الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، أن يكون لها تحرك أكثر جرأة وأن تضغط أكثر، وتتحرر من “الحسابات” و “الضغوطات” التي قد تكون مورست عليها، في علاقة بالموقف من المرشح السجين نبيل القروي.
كما برز ارتباك الهيئة العليا المستقلة أيضا، من خلال مسؤوليتها المباشرة عن وضعية الغموض، التي ترمي بظلالها على الجولة الثانية من الاستحقاق الرئاسي، اذ نلاحظ أنها وحتى بعد الحسم النهائي في مسألة الطعون، التي تم تقديمها ونظرت فيها المحكمة الادارية في طوريها الابتدائي والاستئنافي، الا أنها مع ذلك لم تحسم أمرها، وام تعلن بصفة نهائية ورسمية عن موعد الدور الثاني من الرئاسية.
وهو ما يغذي الشكوك حول مصير الاستحقاق الرئاسي برمته، خاصة في ظل المشهد المجتمعي والسياسي الذي يعاني من حالة انقسام شبيهة بتلك التي رأيناها في 2011 أي بعد قيام ثورة 14 جانفي 2011.
انقسام تغذى هذه المرة من التصريحات المثيرة لقيادات حركة “النهضة”، خاصة رئيسها راشد الغنوشي، والتي تنكر فيها لالتزاماته السياسية السابقة، المتمثلة في ما عرف بسياسة “التوافق”، التي حكمت كامل مرحلة ما بعد انتخابات 2014، والتي بدأت ب”التعايش” زمن الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي، لتتحول الى “شراكة استراتيجية” في الحكم، مع رئيس الحكومة الحالي يوسف الشاهد، الذي استمر وعمر في الحكم بفضل دعم “النهضة”، تحت عنوان حماية “الاستقرار الحكومي”، الأمر الذي جعله يشق عصا الطاعة على “ولي نعمته” سياسيا الرئيس قايد السبسي، ويكون أكثر التحاما بجماعة “النهضة”.
في الأخير، نشير الى أن الذهاب الى الجولة الثانية من الرئاسية، سيبقى برأي معلقا في انتظار الحسم في “تسويات” تسبق تاريخ حدوثها، وهي تسويات في علاقة عضوية بموازين القوى على الأرض، التي تلعب لصالح المرشح السجين نبيل القروي، الذي وان كان يعاني من ترويج صورة مشوهة له بسبب الاتهامات التي وجهت لأساليبه وممارساته وخصوصا اتهامه بالفساد.
لكن مع ذلك يمكن للمرشح السجين أن يقلب الطاولة لفائدته، خصوصا وأنه من المتوقع أن يستفيد من ديناميكيات الانتخابات للبرلمانية، التي ستجرى قبل الجولة الثانية من الرئاسية، والتي ينطلق فيها حزبه “قلب تونس” بأسبقية حسب نوايا التصويت المروج لها، في المقابل فان قيس سعيد لا يقدم أي قائمات خاصة به للانتخابات البرلمانية.
Comments