الدول العربية المطبعة مع اسرائيل في مأزق غزة
التونسيون- متابعات
تتابع الدول العربية التي طبعت علاقاتها أو التي تحاول التقرب من إسرائيل “بإحراج”، تصاعد التوتر وأعمال العنف مع الفلسطينيين منذ 7 ماي الجاري. فبعد التطورات الأخيرة التي قتل خلالها عشرات الفلسطينيين، عادت الاستراتيجيات الدبلوماسية لهذه الدول إلى الواجهة، لتكون محل انتقادات كبيرة. مصير هذه التحالفات ومواقف الدول المعنية محور التقرير التالي:
مع تفاقم خطر تأزم الوضع في الشرق الأوسط، في ظل تصاعد التوتر بين الاسرائليين والفلسطينيين، تعالت دعوات التهدئة الصادرة عن المجتمع الدولي في الأيام الأخيرة، من دون أن تلقى حتى الآن آذانا صاغية لتخفيف وتيرة العنف بين الإسرائليين والفلسطينيين.
لكن من بين التصاريح الدولية التي شجبت المنحى العنفي التي اتخذته الأمور بعد أيام عدة على الاشتباكات في باحة المسجد الأقصى في القدس، أعطيت أهمية بارزة لردود أفعال الدول العربية، خصوصا تلك التي طبعت علاقاتها مؤخرا مع إسرائيل مثل المغرب والسودان والإمارات العربية المتحدة والبحرين.
ومن المؤكد أن هذه الدول العربية شعرت “بالإحراج” جراء صور الاشتباكات في باحة المسجد الأقصى، الذي يعد ثالث مقام مقدس عند المسلمين، بعد مكة المكرمة والمسجد النبوي في المدينة المنورة بالمملكة العربية السعودية.
حث على “خفض التصعيد” و”تغليب الحوار“
الإمارات العربية المتحدة التي طبعت علاقاتها مع الدولة العربية في آب /أغسطس 2020 نددت “بشدة” بالمصادمات وعمليات الإخلاء المحتملة للفلسطينيين من بيوتهم في حي الشيخ جراح بالقدس الشرقية المحتلة، داعية السلطات الإسرائيلية إلى “خفض التصعيد”. وقد جاء في البيان أن “الإمارات تؤكد على ضرورة تحمّل السلطات الإسرائيلية لمسؤوليتها وفق قواعد القانون الدولي لتوفير الحماية اللازمة للمدنيين الفلسطينيين وحقهم في ممارسة الشعائر الدينية، وكذلك وقف أي ممارسات تنتهك حرمة المسجد الأقصى المبارك”.
أما المغرب، الذي انضم في كانون الأول/ ديسمبر 2020 إلى قائمة الدول العربية المطبعة مع إسرائيل، فقد اعتبر “الانتهاكات عملا مرفوضا” ومن شأنها أن تزيد من حدة الاحتقان، مشيرا إلى أن “الإجراءات الأحادية الجانب ليست هي الحل وتدعو الفلسطينيين إلى تغليب الحوار واحترام الحقوق”.
إلى ذلك، استنكرت وزارة الخارجية السودانية، التي طبعت أيضا في كانون الأول/ ديسمبر، “حركة القمع والاعتداء المنظم على المواطنين الفلسطينيين والمقدسيين العزل”، داعية “المجتمع الدولي للضغط على الحكومة الإسرائيلية لإيقاف مساعيها لتهجير المزيد من المواطنين الفلسطينيين وطردهم من منازلهم”.
كما أعربت البحرين التي كانت ثاني الموقعين على التطبيع بعد الإمارات في أيلول /سبتمبر 2020 عن “الاستنكار الشديد لاعتداء القوات الإسرائيلية على المصلين في المسجد الأقصى”، داعية الحكومة الإسرائيلية إلى “وقف هذه الاستفزازات المرفوضة ضد أبناء القدس”.
نبرة معتدلة
أما الجانب السعودي، الذي لم يطبع علاقاته لكنه أعطى الضوء الأخضر إلى حلفائه الخليجيين للتقرب من إسرائيل، فقد أعلن عن رفضه خطط وإجراءات إسرائيل لإخلاء منازل فلسطينية في القدس الشرقية. وأكدت وزارة الخارجية السعودية على تنديد الرياض “بأي إجراءات أحادية الجانب، ولأي انتهاكات لقرارات الشرعية الدولية، ولكل ما قد يقوض فرص استئناف عملية السلام لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة”.
لكن هذه التصاريح اعتبرت معتدلة، مقارنة بردود فعل إيران أو الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي أعلن أنه سيبذل “قصارى جهده لتعبئة العالم بأسره وفي مقدمته العالم الإسلامي بهدف وقف الإرهاب والاحتلال اللذين تمارسهما إسرائيل”.
هل السلام ممكن في ظل استمرار الصراع؟
بحسب الباحث السياسي المختص بشؤون الدول الخليجية كريم صادر، فإن الدول التي بدأت بتحسين علاقاتها مع إسرائيل تتعرض لانتقادات شديدة نتيجة الشحن العاطفي الكبير الذي تسببت به الأحداث الأخيرة التي شهدتها باحات المسجد الأقصى بالقدس. لكن هذه الدول محرجة بشكل خاص لأن هذا التصعيد في العنف أعاد الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي إلى رأس جدول الأعمال في المنطقة.
وتابع صادر في حديث لفرانس24: “في الأيام القليلة الماضية التي شهدت توترا متصاعدا، عادت القضية الإسرائيلية – الفلسطينية لتكون مصدر حرج للذين شاركوا في عملية التطبيع، بعد أن كانت تحتل مرتبة ثانوية في سلم الأولويات الدبلوماسية لدول الخليج لسنوات عدة”. مشيرا إلى أنه عندما عاد مقام مقدس إسلامي ليكون في صميم التوترات، اضطرت هذه الدول للرد ولكن بعبارات أقل حدة ومن دون الثقل عينه الذي تتمتع به القوى غير العربية، خصوصا تركيا وإيران اللتان تسعيان لاستعادة القضية الفلسطينية.
وأوضح صادر أن المظاهرات التي سارت في المغرب وبلدان أخرى تضامنا مع الفلسطينيين وحالة الاستياء التي يمكننا استخلاصها من خلال وسائل التواصل الاجتماعي في دول الخليج، هي أمثلة تأتي لتذكير القادة العرب المعنيين بأن “قضية مصير الفلسطينيين وحقوقهم لم تحسم بعد وأن شعوبهم لا تزال تتأثر بها”. ولفت إلى أن “هذه التعبئة وهذا الغضب دليلان على هشاشة عملية التقارب، لذلك لن يكون هناك اتفاق سلام على الأرجح إذا استمر الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي”.
وذكر الباحث السياسي برفض إسرائيل لمبادرة السلام العربية عام 2002 خلال قمة شاركت فيها جميع الدول العربية في بيروت والتي طرحت مبدأ السلام العربي مع إسرائيل مقابل السماح بقيام دول فلسطينية على حدود عام 1967 عاصمتها القدس الشرقية.
وفي هذا الإطار، رأى صادر أن هناك نوعا من “السذاجة” في اعتبار أنه بالإمكان حصول تقارب مع إسرائيل من دون أخذ القضية الفلسطينية بعين الاعتبار”.
هل ستغير السعودية موقفها؟
وقد اعتبر صادر أن الدول الأكثر التزامًا بعملية التطبيع، ولا سيما بإرسال سفير إلى إسرائيل مثل الإمارات العربية المتحدة، وجدت نفسها “رهينة الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي واضطراباته”، مشيرا إلى أن “الرعايا الإسرائيليين ومصالحهم في الدول المعنية قد تصبح أهدافًا محتملة لأعمال انتقامية”.
رغم ذلك، ما لم يحدث اضطراب يهدد التوازن القائم في الأماكن المقدسة في القدس، فإن الوضع لن يشكل دافعا لتعطيل عملية المصالحة مع إسرائيل، خصوصا من جانب الدوحة. لكن هذه الأحداث “من المرجح أن تدفع بعض اللاعبين الإقليميين، مثل السعوديين، لمراجعة حساباتهم” بحسب صادر.
وأقر صادر أن الإمارات في وضع غير مريح اليوم، لكنها لديها إمكانية إدارة ظهرها لما يحصل. فدور الإمارات أقل رمزية من ذلك الذي تتمتع به المملكة العربية السعودية “كحامية” للأماكن المقدسة الإسلامية.
ورأى صادر أن هذا الوضع قد يدفع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى التفكير جيدا قبل اللحاق بجيرانه على مسار التطبيع الذي قد ينقلب عليه.
Comments