الرئاسات الثلاث: الحوار المستحيل .. الحوار المفروض !
علاء الحافظي
تمر الأيام متشابهة على التونسيين. يزداد الوضع الاجتماعي توترا، اذ زادت معدلات الاحتجاجات والإضرابات والاعتصامات وسط غلاء في اسعار المواد الاستهلاكية والخضر والغلال. وبدأت تأثيرات أزمة الكورونا تظهر على المستوى الاقتصادي فقد اغلقت اكثر من عشرين الف مؤسسة ابوابها وسرحت عمالها فيما تعاني مؤسسات اخرى من صعوبات جمة. وستكون لتأخر وصول اللقاحات ثمنه الباهض من جهة تعطيل الموسم السياحي والابطاء من حركية الإستثمار.
وفي هذه الاثناء يجد رؤساؤنا متسعا من الوقت لل”تنابز” من بعيد، دون اي تقدير لخطورة اللحظة ورهاناتها، يشترك هنا ما أصبح يعرف بالرؤساء الثلاث في كونهم غرباء على مسار بناء الدولة التونسية، وحتى وان كان السيد رئيس الحكومة احد موظفيها الذين تدرجوا في سلم الادارة فانه كان دائما “مأمورا” ولم يكن ابدا صاحب قرار ولا ذا رؤية ولا مسؤولا على صياغة سياسات واستراتيجيات مثلما هو شأن الكثير من كفاءات الادارة التونسية.
أما قيس سعيد فآنه لم يتجاوز البتة مرتبته كأستاذ “مساعد” في الجامعة يلقي نفس الدرس النظري في القانون الدستوري، عدا بعض المحاضرات او الاستشارات في مناسبات سياسية او في أروقة الجامعة العربية معبد “النظام الرسمي العربي”.
و ليس راشد الغنوشي بأفضل حال منهما، فقد كان دائما متهما بكونه خصما للدولة و حريصا على تقويض مؤسساتها، وايقاف مشروعها التحديثي وتغييره بمشروع اكثر التصاقا ب”الهوية” الاسلامية( المرجعية الاخوانية).
لقد توفرت لهؤلاء الثلاث فرصة تاريخية، يترجمون من خلالها مسارات التطور الذي عرفته شخصية كل واحد منهم. فقد سمحت “الثورة” لهم جميعا بتغيير مسار حياتهم كليا. واني لأزعم ان ثلاثتهم أكبر المستفيدين منها، رغم انهم لم يشاركوا فيها ولم يعملوا لأجلها ولم يساهموا في صياغة شعاراتها ولا تحديد أفقها، ولكنها الايام “تجري لا مستقر لها.
لم يكن هشام المشيشي يحلم يغير ادراك مرتبة مدير عام في الوظيفة العمومية فها هو رئيس الادارة كلها رئيسا للحكومة التونسية وسيد “القصبة”. ولم يكن قيس سعيد يطلب أكثر من أن يدرك سن التقاعد في صحة جيدة وهو الذي لم يستكمل اطروحة “الدكتوراه” ولم يتكرس كسلطة قانونية او مرجع دستوري، ولعله كان يحلم بان يقع ضمه للمجلس الدستوري، فإذا به رئيسا للدولة والمسؤول الوحيد عن تأويل الدستور مما مكنه من “تصفية حسابه” مع البعض من أساتذة القانون الدستوري وخبراء القانون الذين كانوا يفوقونه علما ومعرفة وسلطانا، بل صار “فقيه الفقهاء الدستوريين”.
أما راشد الغنوشي، فقد ذكر انه لم يكن يتمنى في منفاه الرغيد بلندن، غير العودة الى تونس والموت والدفن فيها، فإذا به حاكما مطاعا تهب اليه السفراء والوزراء ورجال المال والأعمال وكل طالب جاه ومصلحة.
لقد من الله عليهم بفضله، ومكن التونسيون بتضحياتهم وشهدائهم هؤلاء الثلاث من ادراك “سحاب” السلطة والجاه، ولكنهم لم يقدروا ذلك، ولم يعملوا على تثمينه عبر خدمة الصالح العام.
ينخرط الرؤساء الثلاث في حرب “بسوس” عبثية لا معنى لها، حرب بعيدة كل البعد على اهتمام التونسيين ومشاغل التونسيات، فعلاوة على كونها حرب عبثية لا يمكن ان يخرج منها اي كان منتصرا، فإن عواقبها السلبية ستطال الجميع، وستحرق نارها الجميع واولها هؤلاء الثلاث.
فكون “الرؤساء الثلاث” من خارج عوالم الدولة الداخلية والخارجية ساهم في هذه الازمة التي لا يبدو أنها ستنتهي قريبا. وهو نفسه سيكون العامل الاهم في “اجبارهم” على القبول بالحوار.
لقد اكد تقرير صندوق النقد الدولي الذي تم عرض ملخص له يوم الثلاثاء الفارط على عمق الازمة الاقتصادية ومخاطر تفاقمها، وعاد بالمناسبة للتأكيد على ان احد اسباب الازمة هي عدم الاستقرار السياسي والحكومي وصراع المؤسسات والتجاذبات السياسية وغياب الحوار المجتمعي الجدي بين مختلف الفاعلين في البلاد.
وهي حقائق كان تقرير موديز للتصنيف الائتماني قد ذكرها جميعا تقريبا في تعليل اسباب تخفيضه للاقتصاد التونسي. واذا اضفنا الى ذلك تقدم الحل السياسي السلمي في ليبيا والمصالحات السريعة القائمة في الخليج وبين تركيا ومصر وتركيا والاتحاد الاوروبي فإن التدخل الخارجي في تونس لن يتأخر كثيرا، ولعل في تحركات بعض السفراء مؤشر على ذلك.
لن يكون الحوار مجرد رغبة سياسية او “شهوة” او “نزوة” ذاتية تعود لهواجس فردية لدى الرؤساء، بل سيكون فرضا وراءه المانحين الدوليين والدول التي مازالت تنظر للتجربة الديمقراطية التونسية ببعض الود.
Comments