الرئيس قيس سعيد: يشخص الوضع .. ولا يقدم الحلول !
منذر بالضيافي
عاد الرئيس قيس سعيد اليوم من جديد للاشارة الى أن “الدولة مهددة من الداخل”، وذلك عند أشرافه اليوم الخميس 9 جويلية 2020 بقصر قرطاج “على إجتماع المجلس الأعلى للجيوش والقيادات الأمنية الذي خصص للنظر في الوضع العام داخل البلاد وخاصة الوضع الأمني في الجنوب التونسي” ، مناسبة قال فيها الرئيس أن تونس تمر ب “أخطر اللحظات”.
قبل الخوض في مضمون تصريحات الرئيس “الهامة”، لابد من الاشارة الى جوانب شكلية لكنها مهمة خصوصا اذا ما تم وضعها في سياقها السياسي الراهن، المتسم بوجود أزمة سياسية، تغذت أكثر بعد تفجير ما أصبح يعرف بأزمة “الفخفاخ غايت”.
قضية “الفخفاخ غايت”
والتي تعود لتوجيه اتهامات لرئيس الحكومة بتضارب المصالح، على خلفية تعامل شركة يملك حصص فيها مع الدولة، كانت وراء بروز دعوات تطالبه بالاستقالة، سواء من داخل الائتلاف الحاكم (حركة النهضة)، التي عبرت بشكل علني وصريح، عن عزمها تعديل موقفها، من الائتلاف الحاكم على ضوء ما اعتبرته اساءة لصورته، جراء الاتهامات التي وجهت للفخفاخ.
كما تحرك البرلمان ممثلا في كتل: النهضة وقلب تونس وائتلاف الكرامة، التي سارعت الى تكوين لجنة برلمانية للبحث في قضية رئيس الحكومة، كما مرت الى مطالبة الفخفاخ بالاستقالة أو في الحدود الدنيا تفويض صلاحياته، وذلك لحين انتهاء التحقيقات، في ما وجه له من اتهامات، وهو ما يرفضه “بشدة” رئيس الحكومة، وأحزاب التيار الديمقراطي وحركة الشعب، الممثلة في الائتلاف الحكومي.
كما لا يخفي أن ما وجه لرئيس الحكومة من اتهامات قد تحولت الى قضية رأي عام ومادة اعلامية في وسائلا الاعلام التقليدية والحديثة، لترمي بظلالها على عمل الحكومة، اذ أكدت “تسريبات” على وجود تناقضات داخل الاجتماعات الوزارية ومجلس الوزراء.
لعل أبرزها مطالبة رئيس الحكومة والأحزاب الداعمة له من وزراء النهضة الاستقالة اذا هم “موش مصدقين روايته”، التي دافع فيها عن نفسه، وهو ما من شأنه أن يزيد في تفكيك ائتلاف حكومي يعاني أصلا من غياب الانسجام ومن حالة تفكك منذ ولادته.
أين مجلس الأمن القومي؟
يأتي لقاء اليوم، ليثير التساؤل عن مصير “مجلس الأمن القومي”، الذي يبدو أن هناك اتجاه للاستعاضة عنه باجتماعات دورية للقيادات العسكرية، أو العسكرية والأمنية معا، على غرار لقاء اليوم.
والفارق يكمن في “تغييب” رئيس البرلمان، الذي هو عضو قار في مجلس الأمن القومي، وفي هذا تأكيد على “الصراع” الذي يبدو أنه قد وصل حد القطيعة، بين رئاستي قرطاج وباردو، وهو ما عبر عنه الرئيس قيس سعيد بوضوح خلال استقباله للأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، نورالدين الطبوبي خلال الأسبوع الفارط.
تجديد ثقة واعلان مساندة للفخفاخ
ما يلفت الانتباه في اجتماع اليوم، هو حضور رئيس الحكومة الياس الفخفاخ، الذي يواجه انتقادات يتوقع أن تؤثر على مصير استمراره في القصبة، خصوصا و ان جل المراقبين يجمعون، على أن الحكومة اصبحت في “منزلة السقوط السياسي والأخلاقي”، أيا كانت نتائج التحقيقات التي تقوم بها اللجان برلمانية والادارية وقبل حتى الفصل في “الشبهة” قضائيا.
وهو ما يجعل من تشريكه في اجتماع “أمني رفيع”، بمثابة “تجديد ثقة” و اعلان “مساندة” له من قبل الرئيس قيس سعيد، ورسالة لخصومه على أن الرئيس ما زال متمسكا به، وهو الذي اختار “الصمت” عن تعليق على أزمة “الفخفاخ غايت” بشكل علني، باستثناء اثارة وجود “توتر” بين الحكومة والبرلمان.
خطاب سياسي بحضور أمني وعسكري ؟
في لقاء اليوم، توجه الرئيس بخطاب سياسي، أمام قيادات امنية وعسكرية، في استمرار لما سبق وأن قام به، من خلال استغلاله لزيارات سابقة لمؤسسات أمنية وعسكرية، تزامنت مع توجهه ب”خطبة سياسية”، بحضور قيادات عسكرية وأمنية.
وهو ما اثار حينها – ولا يزال – العديد من الانتقادات من قبل سياسيين ومراقبين للشأن العام من نخب واعلاميين، وهو ما يتناقض أيضا مع ما أكد عليه هو بنفسه اليوم، من ضرورة تحييد المؤسسة العسكرية والأمنية عن الخلافات السياسية، واستنكاره لمحاولة ” الزج بالمؤسسة العسكرية في الصراعات السياسية”، وفق تعبيره.
في انتظار مبادرة سياسية رئاسية؟
بالعودة لخطاب اليوم، اذ “نبَه رئيس الدولة من خطورة ما يجري بخصوص سعي البعض إلى “تفجير الدولة من الداخل” عبر ضرب مؤسساتها ومحاولات تغييب سلطتها بعدد من المناطق”.
كما “لفت إلى أن من بين المخاطر الموجودة اليوم هي محاولة الزج بالمؤسسة العسكرية في الصراعات السياسية، واستدراجها بهدف الدخول معها ومع بقية المؤسسات الأخرى في مواجهة، لافتا إلى أن المؤسستين العسكرية والأمنية نأت بنفسها عن كل الصراعات السياسية”.
للإشارة فان الرئيس قيس سعيد، سبق له وأن تحدث عن ذات المخاطر في مناسبات سابقة، وهنا على الرئيس أن يدرك جيدا خطورة ما أشار اليه: “تفجير الدولة من الداخل”، لدى الرأي العام الوطني، خاصة وأنه يصدر عن المسؤول الأول عن الأمن القومي، ما يجعل منه خطاب يأخذ مأخذ الجد، وفي حاجة لمتابعة وتفصيل.
وبالتالي فانه من حق التونسيين معرفة طبيعة هذه المخاطر ومن يقف ورائها، لأن الحديث حولها دون كشفها ، من شأنه أن يساهم في مزيد ارباك المناخ السياسي والاجتماعي في البلاد.
كلام الرئيس سيؤثر قطعا على صورة البلاد في الخارج، خاصة في علاقة بجلب الاستثمارات والسياحة، في ظرف اقتصادي صعب، حيث كل المؤشرات حمراء، فضلا عن كون التوقعات تشير الى أننا قادمون على نسبة نمو سلبية بين 7 و 8 بالمائة، نتيجة لتداعيات الأزمة الصحية ( كوفيد-19) ، التي أدخلت اقتصادنا وكل اقتصاديات العالم في أزمة غير مسبوقة.
ولعل النقطة المضيئة في خطاب اليوم، تتمثل في تأكيد الرئيس قيس سعيد على “مشروعية الاحتجاجات مادامت سلمية وفي إطار احترام القانون والمؤسسات”، وفي ذلك ادراك لطبيعة الأوضاع الاجتماعية التي تنذر بحصول حراك احتجاجي، لا يجب أن يتحول الى ارباك للوضع الأمني.
كما أن الرئيس كشف عن وعي وادراك لحساسية الوضع السياسي الحالي، من خلال تشديده ” على أن الوضع السياسي الراهن يحتم علينا أن نكون في مستوى المسؤولية التاريخية والحفاظ على الدولة بكل مؤسساتها والوعي بخطورة الوضع إذا ما اشتعلت نار الفتنة”.
هذا التشخيص لطبيعة الوضع السياسي الذي تمر به البلاد، نأمل أن يكون مدخلا للبحث عن حلول للخروج من الأزمة أو على الأقل الحد من تداعياتها، فهل ستشهد الأيام القليلة القادمة الاعلان عن مبادرة سياسية رئاسية لحلحلة الأوضاع ؟ وما هو موقف الرئيس من الاتهامات التي وجهت لرئيس الحكومة بتضارب المصالح والتي لا يمكن تجاهلها أو الصمت لأنها أثرت على عمل الحكومة و زادت في منسوب “القلق” المجتمعي ؟
Comments