الروائية أميرة غنيم و الاشتغال على مشروع “لتسريد التاريخ التونسي وتخييله وتقديمه برؤية فنية لا تطابق الواقع ولا تحاكيه”
تونس- (وات/منية تريمش)- الروائية التونسية أميرة غنيم من الذين يؤمنون بأنّ الكاتب أو الكاتبة له/ها رسالة تجاه أبناء شعبه/ها وجنسه/ها، لذلك انخرطت في نحت الحرف وبناء شخصيات ونسج أحداث روائية استلهمتها من وقائع تاريخ تونس المعاصر مستعملة آليات أسلوبية مشوقة لاستقطاب قراء لإطلاعهم على مشاريعها الروائية ولتتقاسم معهم متعة النص والمعرفة.
وكان لوكالة تونس أفريقيا للأنباء حوار مع هذه الروائية على هامش تقديم الرواية الثالثة في رصيدها “تراب سخون” يوم 18 جويلية الجاري في معلم دار الشرع بالمنستير ضمن فعاليات الدورة الثالثة لمصيف الكتاب الذي تنظمه المكتبة الجهوية. وقد مثل الحوار فرصة للاقتراب من العوالم السردية لهذه الروائية المتميزة التي توجت أعمالها بجوائز وبلغ بعضها القائمة القصيرة لكبرى الجوائز الأدبية العربية منها رواية “نازلة دار الأكابر” التي وصلت للقائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية “البوكر” سنة 2021 ورواية “الملف الأصفر” التي نالت جائزة راشد بن حمد الشرفي للإبداع. . .
وفي ما يلي نص هذا الحوار الذي تحدثت فيه أميرة غنيم عن تجربتها الروائية واختيارها مزج التخييل السردي بالتاريخ من خلال استحضارها لعديد الشخصيات الوطنية وغيرها من المسائل المتعلقة بمشروعها الأدبي وبمشاريعها المستقبلية :
* وات: كيف انطلقت فكرة كتابة رواية “تراب سخون”؟
* أ.غ: تندرج رواية “تراب سخون” في إطار مشروع يتناول شخصيات وطنية من التاريخ التونسي المعاصر ضعفت علاقة الأجيال الحاضرة بها وستزيد هذه العلاقة ضعفا مع الأجيال القادمة. وقد بدأت مع المصلح الكبير الطاهر الحداد في رواية “نازلة دار الأكابر” بقصة حب متخيلة بين زبيدة فتاة من حاضرة تونس والطاهر الحداد والآن وسيلة بن عمار في “تراب سخون” وستتلوها رواية أخرى تتناول الزعيم بورقيبة وتتحدث بصوته وستصدر خلال الأشهر القادمة، فمسودة الرواية كاملة وهي قيد النشر. ويكون العنوان دائما قيد التشاور مع الناشر وهو جاهز في ذهني ولكن ربما يتغير لذلك أفضل حاليا ألا أصرح به.
وأواصل هذا المشروع السردي لتسريد التاريخ التونسي وتخييله وتقديمه برؤية فنية لا تطابق الواقع ولا تحاكيه ولا تقدس الشخصيات التاريخية، ولكنها تقدم عنها رؤية ما، تكون جامعة بين المتعة للقارئ والتشويق والإفادة المعرفية.
* وات: كيف بدأت فكرة مشروع تسريد التاريخ التونسي؟
* أ.غ: هناك صدف في الواقع تتعاضد لجعل المشاريع تنطلق وقد كنت أكتب مقالا لمجلة عربية حول المساواة في الميراث الذي طرحه الرئيس الراحل الباجي القايد السبسي على مجلس النواب فعدت إلى الأعمال الكاملة للطاهر الحداد لأنّ مسألة المساواة في الميراث كانت من ضمن ما اقترحه في كتابه “إمرأتنا في الشريعة والمجتمع” ولأنني مولعة بالبحث فلم أكتف بهذا الكتاب وإنّما انغمست في قراءة كل ما كتبه الطاهر الحداد
ووقعت على أبيات شعرية للطاهر الحداد الشاعر يخاطب فيها مخاطبا مجهولا بصيغة الجمع ويتحدث عن شوقه وألم الفراق فخطرت لي فكرة أن أخترع للطاهر الحداد حبيبة وهمية وأن أبني القصة على هذه العلاقة الوهمية وكانت “نازلة دار الأكابر” التي تتعلق بحوالي قرن من الزمن من تاريخ تونس المعاصر قبل فترة الثلاثينات وصولا إلى فترة ما بعد الثورة . وانطلقت من هنا فكرة المشروع الذي بدأ بصدفة ولكن حاولت فيما بعد أن أدرج كلّ ما أكتبه ضمن هذا المشروع السردي.
* وات: ما هو الفرق على مستوى أسلوب الكتابة، بين “نازلة دار الأكابر” و”تراب سخون” ؟
* أ.غ.: الفرق كبير في البناء الفني لأنّ “نازلة دار الأكابر” كانت قائمة على تعدد الأصوات إذ هناك عشرة شخصيات مختلفة تروي الحكاية في حين أنّ رواية “تراب سخون” قائمة على صوت وسيلة المفرط تقريبا مع أصوات خافتة لشخصيات ثانوية سعاد الكامل الشخصية المتخيلة ممرضة الرئيس بورقيبة في آخر أيامه وابنتها أستاذة التاريخ وحفيدتها آمال وهي شخصيات نسائية كلها ولكن ظهورها في النص قليل لو قارناه برواية “نازلة دار الأكابر” فالأسلوب الفني مختلف ووجهة الطرح مختلفة.
* وات: هل أن التقليل من ظهور الشخصيات الثانوية له علاقة بإبراز سلطة وسيلة والدور الذي لعبته؟ وشخصية سعاد الكامل أليس فيها إشارة إلى سعاد اليعقوبي؟
* أ.غ.: لا والله هذا لم يخطر ببالي في الحقيقة ولكن لا أعتقد أنني فكرت في إظهار وسيلة بالتقليل من عدد الأصوات ولكن هو قرار يأخذه الكاتب في بداية سيرورة نصه. واخترت أن تكون الرواية الكبرى على لسان وسيلة وبصوتها لأنّ وسيلة قلما تكلمت في التاريخ، في الحقيقة نرى صورتها ونسمع ما يقال عنها ولكن لم نسمع لها. وأعطيتها الكلمة حتى تفرغ ما في قلبها من ألم في نهاية المطاف لأنّ العشرة مع الزعيم بورقيبة لم تكن سهلة دائما.
ولكن سعاد اليعقوبي حاضرة في النص بطريقة ما وهناك إشارة لها لأنّ سعاد الكامل في النص تتصل بالماجدة “وسيلة” عندما تسمع اسم سعاد فأوّل ما يخطر ببالها هي الطبيبة التي وقعت على قرار عزل بورقيبة بسبب قصور في مداركه العقلية.
* وات: أكيد وسيلة بن عمار لم تكن تتكلم بطريقة مباشرة ولكن الجميع يعرف أنّها لعبت دورا في السياسة أليس كذلك؟
* أ.غ.: طبعا هي لعبت في الواقع دورا غير أنّها في نص الرواية لا تظهر بالقوة التي كانت لها زمان حكمها فهي تظهر في النص “عجوزا” في نهاية العمر تقوم برحلة خيالية من دارها في المرسى إلى منفى الزعيم بورقيبة في دار الوالي بالمنستير وهي رحلة محفوفة بالمخاطر لأنّها تقوم بها وهي مطاردة أمنيا إذ أنّها وقعت على التزام بعدم محاولة زيارة الحبيب بورقيبة وهذه مسألة تاريخية.
وتحاول وسيلة في نص الرواية وهي في زي فلاحة خوض الأهوال فصورة الشخصية المهابة المعروفة للماجدة ضاعت في هذه الرواية وتظهر في المقابل في صورة المرأة التي تخوض الصعاب من أجل الوصول إلى هذا الرجل الضعيف الشيخ السجين في سجنه في منفاه الأخير.
* وات: أميرة غنيم الأكاديمية الحائزة على التبريز في اللغة والآداب العربية، والدكتورة في اللسانيات والروائية الناجحة، لمن تكتب ؟
* أ.غ.: هذا السؤال في الحقيقة تصعب الإجابة عليه ولا أطرحه في الحقيقة على نفسي، وأعتقد أنني أكتب لأنّ في رأسي أسئلة أحاول أن أجد لها أجوبة. وأعتقد أنني أكتب لأنني ككل الناس أخاف أن أموت ولا يبقي مني أي أثر. وأعتقد أنّ الكتابة هي الأثر الذي يبقى بعدنا فكأننا نعيش في سطورنا.
ونحن حينما نكتب، نحارب ربّما بالكتابة هذا البؤس المعمم الذي نعيشه ونحاول أن نخرج بها من هذا القمقم الذي حَبسنا أنفسنا فيه أو حُبسنا فيه، فالكتابة هي محاولة للخلاص، للهروب للانعتاق. والكتابة متعة أولا وأخيرا ويوم أفقد المتعة سأتوقف عن الكتابة دون شك.
Comments