الزبيدي .. أي حظوظ للوافد الجديد؟
غازي معلى
على بعد ثلاثة أسابيع من الامتحان الانتخابي، المقرر في دورته الأولى يوم 15 سبتمبر القادم، نلاحظ أن المشهد الانتخابي مشوه و الاجواء مشحونة سياسيا و قضائيا و على ايقاع بورصة سبر الآراء، التي تتلاعب بعقول و مشاعر الناس.
صمن هذا السياق السياسي والمجتمعي، اصبح لدينا شبه قناعة ان السباق سينحصر بين خمسة او ستة مترشحين و معظمهم كانوا و مازالوا مراهنين جدين منذ شهور، الى ان التحق بهم و في ظروف شبه جنائزية، مرشح جديد هو وزير الدفاع الحالي والمستقيل عبد الكريم الزبيدي.
الوافد الجديد، شغل الناس ذات سبت عند تشييع جثمان الراحل الرئيس الباجي القائد السبسي فلقب ب”صاحب الجنازة” او “منظم الجنازة” و من حينها اشتغلت ماكينات فايسبوكية لتجعل منه المرشح الشعبي او المرشح المطلوب من الجماهير الى ان لبى طلبات الجمهور و تحول الى مقر الهيئة و قدم ترشحه و من حينها انطلقت الرحلة.
كثر الحديث و الهمس و ” التنبير ” عن خصال الرجل و قدراته و مقدرته على ان يكون احسن خلف للباجي كما اشاع الخصوم اشاعات و حقائق عن نقاط ضعفه و حتى التشكيك في صحته البدنية و النفسية و لكن بعد ايام من الترشح و بعد ان تكلم للإعلام و كون فريقه و تحالفاته يمكننا ان نقدم تقييم للمرشح عبد الكريم الزبيدي بوصفه وزير دفاع و لفترتين او ثلاثة منذ 2011 .
الرجل يعطي انطباع لكثير من سكان المحروسة تونس و المهويسون بالبيان الرقم 1 انه عسكري صارم يطبق القوانين و ينفذ الأوامر بكل حزم و قادر على إنهاء الفوضى الغير الخلاقة التي استشرت في هذا المجتمع.
و لكن الرجل ليس بعسكري بل هو مدني ومدني جدا ، و خطابه يخلو من اي مفردة او مصطلح عسكري و ممكن هذا شكل خيب الأمل الاولى للكثيرين لكن تشبعه بمفهوم الدولة و قيم الجمهورية رغم رغبته في تغيير الدستور الحالي جعلت منه المرشح الأبرز او شبه الوحيد المتأتي من رحم الدولة العميقة و مؤسساتها و هذا يعطيه حزام مهم و غير ظاهر يدعمه و يؤمن به.
وهو حزام ممكن ان يعوضه عن الماكينات الحزبية لمنافسيه و رغم انه ” مستقل ” و لا يأتي من زعامة حزبية التفت حوله مجموعة من الأحزاب التي ليس لها مرشح للرئاسة ممكن لاقتناعها به و اقرب الظن لأنها تراهن عليه ليكون قاطرتها للانتخابات البرلمانية القادمة و هذا امر خطير جدا و لعب على الأحبال لأن هذه الماكينات الحزبية مفاتيح القيادة ليست بيده و لذلك ممكن ان تنفلت عنه او تنقلب عليه في اي وقت.
و لذلك كون الزبيدي فريقه من وجوه غير حزبية او غير ملتزمة حزبيا و كانت قيادة الفريق لوزيرين سابقين في حكومة شاهد و احد اطرد من وزارته ” خالد قدور ” و حلت الوزارة تماما ( وزارة الطاقة ) و الثاني فوزي عبد الرحمان وزير التشغيل السابق و صديق يوسف الشاهد سابقا و الذي ضحى به الشاهد في اخر تغيير وزاري لإرضاء حركة النهضة.
و كما يعلم العارفون بخبايا الحكم في تونس فالزبيدي نفسه كانت له مواقف و لو غير معلنة ضد يوسف الشاهد رئيس الحكومة و بالتالي المرشح الزبيدي و ذراعه الأيمن و الآيسر لهم ثأر سياسي مع يوسف الشاهد و هذا في فن الحروب محبذ لأنه يشحن الجنود و يجيش الناس.
و هنا احسن الزبيدي الاختيار سياسيا و لكن معظم المجموعة التي حوله تنقصها خبرة خوض المعارك الانتخابية . كما أن هناك انطباع عام على ان الفريق الموسع و الأوساط الداعمة تنطلق من منطلق جهوي بحت بنظرية نحن السواحلية خلقنا لنحكم. و اذا خضنا في الخطاب و الصورة للمرشح الزبيدي و هذه الأسلحة الحقيقية لأي حملة انتخابية فهنا و للأسف نقاط الضعف عديدة و ممكن يعود الامر لسرعة الترشح و قصر مدة التحضير.
فقبل ان يظهر سي عبد الكريم على التلفزة في حوار مباشر بشرتنا إدارة حملته بأهم نقاط برنامجه الانتخابي و هنا بدا يظهر ان الرجل غير مسيس و ان فريقه تنقصه الخبرة في التواصل السياسي فأي حملة ناجحة لابد ان تجيب عن سؤال مهم: لماذا سيصوت لك الناخب؟
فهل فتح السفارة التونسية في دمشق او ملف الجهاز السري او حتى تغيير بعض بنود الدستور ، هي من اهتمامات و أوليات الناخب التونسي و حتى ان كانت هذه من صلاحيات رئيس الجمهورية القليلة فننتظر الإجابة بعد يوم الاقتراع .
و اما الصورة التي ظهرت على الأقل في اول لقاء تلفزي مباشر فإنها لم تكن مطمئنة كثيرا و لم تعطي انطباع عام لا في المحتوى و لا حركة الجسم و لا في tempo والحديث انه الجاري بأنه ممكن يكون خليفة الباجي رغم انه حاول ان يقنعنا بهذا او كما سوق له الكثيرون .
اكيد أنه تميز عن منافسيه بالهدوء و عدم التشنج و كذلك عدم الخوض في مواضيع جانبية و لكن في حواره الثاني مع موزاييك سقط الزبيدي في التفاصيل و حتى في نشر اسرار الدولة و اسقط هالة رجل الدولة الذي لا يشق له غبار.
رغم كل نقاط ضعف المرشح الزبيدي تبقى نقاط قوته انه يأتي من بعيد جدا في هذا السباق الرئاسي و يسجل نقاطا كل يوم سواء بمجهوده او بأخطاء منافسيه المباشرين و هذا كما في سباق بطولة كرة القدم ممكن ان تصبح بطلا بدون انتصارات و لكن بهزائم منافسيك.
Comments