الجديد

“الزعاماتية”: تعيد “حكم الفرد” للأحزاب (النهضة)  ولمؤسسات الحكم (رئاسة الجمهورية) 

هشام الحاجي

لا يوجد اختلاف كبير على أن سردية الثورة التي ابهرت العالم لم تعد تغري كما كان الأمر في السنوات السابقة، بل أن عدة مؤشرات، من أهمها نتائج سبر الآراء في نوايا التصويت، تبرز تقدم لافت للحزب الذي اختار من مواجهة هذه السردية أداة عمله الرئيسية، ونعني هنا الحزب الدستوري الحر، الذي تتزعمه القيادية في حزب “التجمع” الذي قامت عليه الثورة، عبير موسي.

دون البحث عن الانخراط في سجال إيديولوجي فقد الكثير من مبرراته يمكن القول أن ” النموذج التونسي ” قد كشف مؤخرا عن تراكم عدة سلبيات هيكلية اوصلته إلى الوضع الحالي ، خاصة و أن هذه السلبيات الهيكلية الذاتية، قد تفاعلت مع سياق إقليمي و دولي متحرك، في ظل دخول الإنسانية في مرحلة إعادة تبويب و ترتيب للعلاقات و المؤسسات الدولية.

و من أهم السلبيات الهيكلية التي تبدو واضحة في ” النموذج التونسي الجديد ” في تجذر النزعة الذاتية و ” الزعاماتية ” في العمل السياسي. هذا التجذر يعتبر من أكبر مفارقات ” ثورة ” جاءت للقطع مع ما تعتبره حكما فرديا.

فإذا بها تصل بعد أقل من عشرية من مجيئها إلى انتخاب رئيس للجمهورية لا يسنده حزب سياسي ينتمي إليه،  و إلى تخلي مؤسس أحد أهم الأحزاب الفاعلة فيها و هو راشد الغنوشي، عن قبعة الشخص الذي يؤمن بالتداول و المؤسسات إلى شخص ينشد ” الزعامة ” و يعتبر نفسه أكبر من مؤسسات حزبه.

عودة النزعة الفردية و تضخمها يمثل الظاهرة اللافتة في السنوات الأخيرة و المفتاح الرئيسي في قراءة أهم الأحداث و تفسير أسباب أكبر الإخفاقات و توقع أشد الانتكاسات أثرا في المستقبل القريب.

إن بقي الأمر على ما هو عليه خاصة و أن الفردية تغذي تمحورا حول الذات يمنع كل عملية نقد حقيقية و كل حوار حقيقي و لا يغذي إلا الانقسامات الهامشية و أيضا الميل إلى تسويق نظرية المؤامرة و تحميل الآخرين المسؤولية و هو ما يبدو واضحا و جليا في ميل كل حزب أو شخصية سياسية فاعلة إلى إقناع انصاره بالدرجة الأولى و الرأي العام الوطني بدرجة ثانية أن المختلفين معه ” يتآمرون ” بالتنسيق مع ” غرف خفية ” و ” قوى أجنبية ” و هو ما يبرر الخلاف معهم و إعلان القطيعة معهم و الإعداد لمواجهتهم.

و يفتح الإيمان بنظرية المؤامرة الباب أمام ” تبرير ” اللجوء إلى العنف الرمزي و اللفظي و ربما المادي ضد الخصوم السياسيين و إلى ” قصفهم” بأخبار زائفة تستدفهم و إلى المبالغة في ” ترذيلهم ” و هو ما يعيق الاشتغال الطبيعي للمؤسسات و يعمق الاحتقان و العدوانية داخل المجتمع و يفتح الباب أمام كل الانزلاقات الممكنة.

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    ^ TOP