الجديد

الشاهد .. أي مستقبل بعد الحُكم؟

خديجة زروق

تم تحديد يوم الأربعاء القادم، لعرض حكومة الياس الفخفاخ الجديدة على مجلس نواب الشعب، لكسب ثقة النواب. و يبدو ان كل الدلائل تقود الى كون الحكومة ستنال الثقة، بقطع النظر على عدد الأصوات. فكل القوى السياسية صارت على وعي بضرورة تجاوز هذا “المسلسل” الممل لتشكيل الحكومة. و اذا سار الأمر مثلما هو متوقع، يُفترض ان يتم تسليم السلطة يوم الخميس القادم. بما يعنيه ذلك من شروع يوسف الشاهد ووزراؤه في حزم حقائبهم للمغادرة.

  • الشاهد…الرئيس

عندما دفع المرحوم الباجي قائد السبسي، بيوسف الشاهد لخلافة الحبيب الصيد، لم يكن أغلب المتابعين للشأن السياسي، يعرفون الرجل، ناهيك على غالبية التونسيين. و لا يعرف التونسيون اليوم يوسف الشاهد إلا في صورة رئيس للحكومة. و حتى عندما ترشح للانتخابات الرئاسية و قاد حملة حزبه في التشريعية، حاسبه التونسيون بصفته رئيسا للحكومة، و دفع غاليا بمفرده “فاتورة” تسع سنوات من “الفشل” الجماعي في الإقلاع الاقتصادي و الاستقرار الاجتماعي.

بل إن مجموعة من الاختيارات الكُبرى التي انخرطت فيها النخب التونسية بعد الثورة، كسياسة التداين، او إيقاف الانتدابات في الوظيفة العمومية و ارتفاع نسب التضخم و اختلال الميزان التجاري و أزمة المالية العمومية، بدأت مساراتها قبل يوسف الشاهد، هذا إضافة إلى تراجع إنتاج الفسفاط و آثار الإرهاب على السياحة و الاستثمار الخارجي. دفع الشاهد ثمن كل ذلك، بصفته رئيسا و دفع أيضا ثمنا “سياسيا” مرتفعا للتوافق الذي صاغه الشيخان. و على يوسف الشاهد اليوم و قد تحرّر من “ضغط السلطة” و اكراهاتها، ان يُعرّف بنفسه من جديد.

  • الشاهد…. السياسي

مكنت تجربة الحكم يوسف الشاهد، من تطوير مهاراته السياسية. مهارات يكاد حتى اشد خصومه قسوة عليه يعترفون بها. فالسيد الشاهد مارس السياسة العملية في أعلى هرم السلطة، و هو ما سمح له بالاطلاع الدقيق على كيفيات الحوكمة، و خاصة معرفة الأولويات و العقبات.

يعرف الشاهد اليوم كل مشاكل الدولة التونسية على جميع الأصعدة، يعرف أسبابها و تطوراتها و يعرف حلولها و يعرف الموانع التي تحول دون ذلك. يُدرك الشاهد و هو يُغادر القصبة ان “نيل المطالب ليس بالتمني” و ان ممارسة السلطة، تجعل “العقلانية” هي الحل، بعيدا على خطابات الشعبوية و القصووية و الحلول الحالمة. هذه الخبرة قد تكون مفيدة للدولة التونسية، إذ ان الشاهد، عبّر في آخر ظهور إعلامي له على ” على استعداده الدائم لخدمة الدولة مهما كان الموقع”. و من الممكن أن يُفيد بها رئيس الجمهورية و رئيس الحكومة خاصة و انه تجمعه بهما علاقات طيبة.

كما ان ثلاث سنوات في القصبة، سمحت للشاهد ببناء شبكة علاقات داخلية وخارجية، وداخل اجهزة الدولة والادارة، شبكة يتفوق بها على خصومه، وسيظل مستفيدا من هذه العلاقات، باستثمارها في المحطات السياسية القادمة.

  • الشاهد…. والحزب

تأسس حزب تحيا تونس حول يوسف الشاهد، و يعرف الجميع انه حزب الشاهد/العزابي. و لكنه تأسس مدفوعا بالسلطة التي كانت في يد رئيسه، و بطمع الكثيرين فيها، و برغبة الانتهازيين في مغانمها. فتحيا تونس حزب حكومة وحكم. و رغم ان حركة تحيا تونس مازالت في الائتلاف الحاكم، الا ان حجمها النيابي مقارنة ببقية شركاء الحكم، و طبيعة هذا الائتلاف الذي يضم قوى “معادية” للشاهد و لتحيا، سيجعل الاستفادة من “نعيم الحكم” صعبة. و هو ما يطرح أكثر من سؤال حول بقاء الكثير ممن دخلوا للحزب على علاقة به و قد انتفت شبكة المنافع و المصالح.

كما أن تحيا تونس، تأسس بعيدا على يوسف الشاهد، الذي كان يحضر دائما بصفته “رئيس الحكومة” و تتم معاملته على هذا الاساس، فكيف سيكون حضور الشاهد الجديد؟ و كيف سيتم استقباله من “كبارات” الحزب. و سيواجه الشاهد وضعا حزبيا معقدا لا نعرف كيف سيقوم بتجاوزه و هو الذي تعوزه “الخبرات” التنظيمية اللازمة.

  • الشاهد….التحدي الكبير

أمام الشاهد تحدي كبير. تحد لم يسبقه اليه أحد في تاريخ تونس، غير أستاذه الباجي قائد السبسي. ورغم ما بين الرجلين من فوارق التجربة و التاريخ و التكوين، فان “تتلمذ” الشاهد على يدي الباجي قد يكون له مفيدا، في رحلة الصعود من الرماد.

الباجي طائر فينيق حقيقي، عاد من رماد النار بعد الثورة، بعد عشرين عاما من العزلة. ثم سلم السلطة سنة 2011، ليعود في “ملحمة النداء” الى الحكم من جديد سنة 2014. هذا الأمر لم ينجح فيه غيره ممن غادر السلطة. من رجالات بن علي اوحتى من رجالات الثورة. كلهم فشلوا في العودة. و على يوسف الشاهد ان يكون استثناء. يمتلك لتحقيق ذلك الكثير من المقومات الذاتية و الموضوعية، يُساعده ايضا غياب منافسين جديين في العائلة “الإصلاحية العصرية” و غياب تنظيم سياسي جامع. ويوسف الشاهد مُطالب أكثر من غيره، بالقيام بكل الخطوات الضرورية لبناء جسور الثقة شبه المنعدمة بينه و بين “إقرانه” من “زعماء” التيار الإصلاحي.

يعرف يوسف الشاهد أسباب فشل القطب الديمقراطي، و عاش انهيار الحزب الجمهوري، و شارك في انتصار نداء تونس، و أدرك الفشل في انتخابات 2019، محطات أربع من المؤكد انه استخلص منها دروسا، تنضاف إلى خلاصة تجربة حكم ثرية. كلها مقدمات توفر له سُبُل النجاح، مثلما تحمل في طياتها بذور الفشل. الشاهد اليوم أمام اكبر تحدياته. العودة الى القمة أو النسيان.

 

 

 

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    ^ TOP