الشخصية الأقدر .. قيس سعيد في مواجهة "اختبار" الحكم!
تونس- التونسيون
بعد سقوط حكومة الحبيب الجملي في البرلمان مساء يوم الجمعة الفارط، انتقلت المبادرة الى الرئيس قيس سعيد، الذي سيكون وفق أحكام الدستور، معنيا بتعيين الشخصية الأقدر ، وتكليفها برئاسة الحكومة المقبلة وبالشروع في تشكيلها، وذلك خلال عشرة أيام ، يكون مجبرا خلالها على القيام باستشارة واسعة، في صفوف الأحزاب والكتل البرلمانية، قبل الاعلان عن الاسم الذي سيختاره.
في هذا السياق، افاد استاذ القانون رافع بن عاشور في تصريح لوكالة تونس افريقيا للأنباء ان رئيس الجمهورية الذي سيجري مشاورات مع الأحزاب السياسية والإئتلافات والكتل النيابية لتكليف الشخصية الأقدر لتشكيل حكومة “لا يمكنه اختيار شخصية ما وفرضها على الاحزاب، وهو مطالب بأخذ عديد المعطيات بعين الاعتبار وتكثيف المشاورات”.
واضاف بن عاشور بان الشخصية التي سيتم اختيارها بالتشاور مع الاحزاب والكتل والمجموعات البرلمانية “لابد ان تحظى بإجماع وتوافق حولها لتحظى الحكومة التي ستقترحها هذه الشخصية بثقة المجلس النيابي وفي صورة اسقاطها مرة اخرى فان ذلك فيه مس من مصداقية الرئيس”.
لكن، كيف سيتصرف الرئيس قيس سعيد بعد أن عادت له المبادرة السياسية، ما جعل المراقبين يرون أنه يعد اليوم الشخصية الأقوى في المشهد السياسي الحالي، وهذا لا يخفي وجود تخوفات مردها تواصل ما أصطلح الجميع على تسميته ب “غموض الرئيس”، فهو غير معلوم وان كان صرح قبل وبعد وصوله لقرطاج أنه غير راض وغير منسجم في تصور لإدارة البلاد مع نظام الحكم الحالي، وصرح الأسبوع الفارط من القصرين بأنه مع تعديل الدستور، دون أن نغفل على أنه متحمس لنظام سياسي قريب بالنظام “المجالسي” أو من نظام الرئيس الليبي السابق المعروف ب “اللجان الثورية”، أي الحكم من القاعدة الى القمة، وهي تصورات تلاقي رفضا واسعا داخل النخب والأحزاب السياسية.
وبالتالي فان هناك مناخ من “الضبابية” و “الحيرة” وأيضا “الترقب” عن طبيعة ادارة المرحلة القادمة، وكيفية ادارة التناقضات والخلافات داخل أبرز مكونات المشهد السياسي الحالي، الذي يعاني من التشتت والانقسام، وهو ما أفرزته نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة، التي صعدت لنا مجلسا نيابيا فسيفسائيا، برزت تداعياته السلبية على الاستقرار السياسي والحكومي، منذ أول اختبار ونعني هنا الأجواء التي خيمت على جلسة منح الثقة لحكومة الجملي نهاية الأسبوع الفارط، التي كشفت بوضوح على أن البلاد مرشحة الى الدخول في حالة من عدم الاستقرار السياسي، ولا نبالغ بالقول أنها بصدد تحول الى أن تصبح “مستحيلة الحكم” ingouvernable.
نلاحظ أن هناك ارادتان بارزتان في ما يتعلق بإدارة المرحلة المقبلة، بسبب غموض ما يريد الرئيس، وهل سيحصل بينه وبين بقية الأحزاب والكتل البرلمانية “توافق”، في اختيار “الشخصية الأقدر”، أي حول المواصفات الواجب توفرها في من سيختار لقصر القصبة، في علاقة بجملة من الشروط الواجب توفرها في علاقة بالأوضاع الصعبة التي تمر بها البلاد، سواء من جهة تردي الأوضاع الاقتصادية وبروز نذر عجز الدولة عن الايفاء بالتزاماتها حتى لا نقول “شبح الافلاس”.
أو في علاقة بضرورة تحقيق عنصر “الوحدة الوطنية”، عبر حسن ادارة التعايش بين القوى السياسية الرئيسية وكذلك بين مؤسسات الحكم، خصوصا وأن العديد مكن المؤشرات تشير وبوضوح الى تصاعد الخطاب الانقسامي داخل البرلمان وفي الاعلام وفي مواقع التواصل الاجتماعي، وسط تسريبات غير مؤكدة عن وجود “صراع خفي” بين قرطاج ( رئاسة الجمهورية) وباردو (رئاسة البرلمان)، وسط دعوات لسحب الثقة من رئيس مجلس نواب الشعب، وهو ما من شأنه – لو تحقق – أن يزيد من منسوب التوتر في الحياة السياسية وفي المجتمع، في مناخ وطني واقليمي ودولي متوتر ومضطرب.
مع عودة المبادرة الرئاسية لقصر قرطاج في ما يتعلق باختيار “الشخصية الأقدر” التي ستوكل لها مهام رئاسة الحكومة يواجه الرئيس قيس سعيد يواجه أول “اختبار” له في الحكم، فهل يختار “التوافق” مع الطبقة السياسية “التقليدية” ؟ أم يختار “القطيعة” معها من خلال اختيار شخصية “تشبهه” ؟.
والأقرب أن قيس سعيد قد يختار افشال الفرضية الثانية من الفصل 89من الدستور والذهاب الى انتخابات سابقة لأوانها، اذ أنه لن يغامر بالخضوع لطلب الأحزاب والكتل البرلمانية في اختيار شخصية تفرضها هي، كما أنه لن يقبل بتعيين شخصية من خارج المنظومة المحسوبة على تيار الثورة، لأنه في تلك الحالة سيجد نفسه معارضا للسردية التي أوصلته للحكم.
ولو اختار الرئيس سعيد شخصية “تشبهه” فان الأقرب أننا سنكون ذاهبون نحو انتخابات برلمانية سابقة لأوانها ..
Comments