الصحراء الغربية: فرنسا – المغرب – الجزائر … هل كسر ماكرون مثلث العلاقات المستحيل؟
أعلنت الجزائر عن سحب سفيرها في باريس، على أن تتولى القنصلية الجزائرية عملية التمثيل الدبلوماسي في فرنسا، وردت الخارجية الفرنسية بالإعلان عن تمسك باريس بعلاقاتها مع الجزائر، وجاء ذلك عقب رسالة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون إلى العاهل المغربي محمد السادس والتي اعترف فيها بسيادة المغرب على الصحراء الغربية.
شكل الموقف الذي أعلنه ماكرون في رسالته انقلابا في السياسة الخارجية الفرنسية في منطقة المغرب العربي، والتي تلتزم بها منذ أن وضع أسسها الرئيس السابق فرانسوا هولاند عام 2012، والتي تقضي بالحفاظ على علاقة متوازنة مع الطرفين المتصارعين على مصير الصحراء.
المغرب ورسالة ماكرون
شكلت هذه الرسالة عنصرا حيويا بالنسبة للأوساط الحاكمة في المغرب، والتي احتفت بها إلى أبعد الدرجات، وأفردت لها وسائل الإعلام المغربية المختلفة مساحات واسعة، إن لم نقل أغلبية نشاطها.
وأعطت بعض التعليقات الانطباع بأن أي تطور مقبل في هذا الملف كان بانتظار الموقف الفرنسي، وأصبح ممكنا الآن، بل وبرز الموقف الفرنسي كأنه أكثر أهمية من الموقف الأمريكي، الذي أعلنه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في ديسمبر 2020، معترفا بسيادة المغرب على الصحراء مقابل تطبيع الرباط لعلاقاتها مع تل أبيب.
شكل الموقف الأمريكي نقطة الانطلاق لضغوط قوية مارسها المغرب على الدول الأوروبية، مستخدما، مع إسبانيا على سبيل المثال، إطلاق المهاجرين غير الشرعيين على حدودها.
وبعد حوالي الشهر من الاعتراف الأمريكي، قال وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة “على أوروبا أن تخرج من منطقة الراحة وتتبع ديناميكية الولايات المتحدة … يجب أن يكون جزء من أوروبا أكثر جرأة لأنه قريب من هذا النزاع”.
الجزائر وتغير الموقف الفرنسي
أبلغت الرئاسة الفرنسية الجزائر بعزمها على تغيير موقفها من قضية الصحراء، قبل الإعلان رسميا عن ذلك، وهو ما رفضته الخارجية الجزائرية بقوة في بيان رسمي.
ولدى الإعلان عن رسالة ماكرون إلى محمد السادس، سحبت الجزائر سفيرها، ولكن الأمر لم يتطور إلى تجميد أو قطع العلاقات الدبلوماسية، كما أن البيان الجزائري لم يهدد بإجراءات أخرى، وإن كان ليس من المستبعد أن تتأثر ورادات الغاز الجزائري إلى فرنسا، وقطاعات تجارية أخرى بهذا التغيير، على الأقل لفترة زمنية معينة.
كما أصبحت زيارة الرئيس الجزائري عبد العزيز تبون، التي كانت مقررة في بداية أكتوبر المقبل موضع تساؤل كبير.
لكن باريس درست على ما يبدو رد الفعل الجزائري على الاعتراف المشابه الذي قدمته اسبانيا عام 2022، وكيف بدأت العلاقات بين الجزائر ومدريد تعود تدريجيا إلى مرحلة ما قبل هذا الاعتراف، بعد أن تمثل رد الفعل الجزائري في إجراءات سياسية وتجارية ضد اسبانيا.
فرنسا … لماذا هذا التغيير؟
يرى المراقبون أن تغيير الموقف الفرنسي، والذي تمثل بتقديم اعتراف بسيادة المغرب على الصحراء، وبأن المبادرة المغربية هي السبيل الوحيد لحل هذه الأزمة، كان مفاجأة، نظرا لأن الرئيس ماكرون كان أحد الرؤساء الفرنسيين الذين بذلوا أكبر الجهود لإعادة المياه إلى مجاريها مع الجزائر، وهذا التغيير يؤدي لضياع كل هذه الجهود.
بينما يرى البعض أن الخيار الفرنسي نابع من رؤية براغماتية لعلاقات باريس في شمال أفريقيا.
- سياسة التوازن في العلاقات الفرنسية مع كل من الجزائر والمغرب لم تؤت بثمارها، وإنما أدت في أغلبية الوقت لتدهور العلاقات مع البلدين.
- شهدت منطقة الساحل والعلاقات الفرنسية – الأفريقية تغييرات دراماتيكية، وباريس تسعى بكل إمكانياتها لإعادة تشكيل وتركيب علاقاتها مع القارة السمراء، وهي بحاجة إلى بوابة تحظى بثقة الإفريقيين. وينبغي القول إن الرباط تمكنت عبر جهود الاستثمارات الاقتصادية في أفريقيا من احتلال موقع متقدم عن غيرها.
- عموما، قد يكون بعض المستشارين في كواليس قصر الإليزيه، قد اعتبروا أن تعزيز العلاقات مع بلد منفتح اقتصاديا، بل بلد ذهب حتى بناء تعاون عسكري مع إسرائيل، ويبدو أن لديه خطة تنمية اقتصادية وصناعية واستثمارية جادة، هو أسهل وأكثر جدوى من العلاقات التي يمكن أن توفرها الجزائر، التي تعتمد أساسا على ثقلها السياسي والتاريخي في القارة الإفريقية، وهي عناصر نفوذ يرى الليبراليون الفرنسيون أنها عناصر تجاوزها التاريخ، كما أن الجزائر لا يبدو أنها عازمة على فتح المنافذ الإفريقية لفرنسا بالسهولة ذاتها.
ميديابارت: لهذا تحول موقف فرنسا من الصحراء الغربية.. وهل يمكن أن يتغير؟
اعتبر موقع “ميديابارت” الفرنسي في تقرير بعنوان “الصحراء الغربية.. أسباب التحول الفرنسي”، أن تأكيد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بمناسبة الذكرى الخامسة والعشرين لاعتلاء الملك محمد السادس عرش المغرب، أن الصحراء الغربية، هي جزء من السيادة المغربية، يشكل نقطة تحول تاريخية في العلاقات الفرنسية المغربية، وانتصاراً دبلوماسياً كبيراً للمغرب الذي يعمل من أجل الاعتراف بسيادته على هذه المساحة البالغة 266 ألف كيلومتر مربع الواقعة على حافة المحيط الأطلسي. فبعد الولايات المتحدة 2020 وإسبانيا 2022، انتهت فرنسا إلى توضيح موقفها.حتى لو كان ذلك يعني إثارة غضب الجزائر التي سحبت مباشرة سفيرها من باريس.
وأوضح “ميديابارت”، أنه في شهر فبراير/شباط الماضي، مهد ستيفان سيجورنيه، وزير الخارجية الفرنسي المعين حديثا، الطريق خلال زيارته للمغرب، حيث قال وقتها: “إن الصحراء قضية وجودية بالنسبة للمغرب، وفرنسا تعرف ذلك. لقد حان الوقت الآن للمضي قدما“. وذكرت أن الملك محمد السادس تلقى الرسالة بشكل واضح وردّ عليها برسالة رحبت بـ“موقف فرنسا الواضح والقوي” بشأن “موضوع الصحراء المغربية”، ولذلك فإن إيمانويل ماكرون مدعو إلى “زيارة دولة” تهدف إلى “تعزيز الشراكة الاستثنائية التي بنيت منذ عقود على الصداقة والثقة”.
وينقل “ميديابارت” عن المعطي منجب، المؤرخ المغربي والناشط في مجال حقوق الإنسان (الذي تم العفو عنه من قبل الملك منذ أيام)، قوله: “ماكرون هو أول رئيس يولد بعد تصفية الاستعمار. وبالنسبة له، مصلحة فرنسا الاقتصادية تأتي في المقام الأول، وهي موجودة في المغرب، الذي يعد شريكا ممتازا، على عكس الجزائر”. وبالنسبة لباسكال بونيفاس، مؤسس معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية (إيريس)، فإن رسالة إيمانويل ماكرون هي “اعتراف ضمني”، مضيفاً: “ربما ينتظر ليرى ما إذا كان موقعه الجديد سيجلب شيئا للجانب المغربي ليحتفظ بإعلان الاعتراف الصريح بمغربية الصحراء خلال زيارته للمغرب”.
في أبريل/نيسان، تحدث وزير التجارة الخارجية الفرنسية، فرانك ريستر، عن الفرص الاقتصادية خلال زيارة للمغرب. وتم فتح الباب أمام استثمارات الوكالة الفرنسية للتنمية في الصحراء الغربية. وبحسب صحيفة “لوموند”، فقد اهتم إيمانويل بون، المستشار الدبلوماسي لإيمانويل ماكرون، باستقبال رؤساء عدة مجموعات فرنسية كبيرة مقيمة بالمغرب، لإبلاغهم بالموقف الفرنسي الجديد.
واعتبر باسكال بونيفاس أن فرنسا امتنعت عن الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء لأنها عضو دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. لكنها أرادت الآن اللحاق بإسبانيا والولايات المتحدة، وكانتا أعربتا بالفعل عن دعمهما لسيادة المغرب على الصحراء، في عامي 2022 و2020 على التوالي”.
ويذكر التقرير بأنه في السنوات الأخيرة، عانت فرنسا والمغرب من أزمة تلو الأخرى. ففي عام 2021، أدى الكشف عن استعمال المغرب لبرنامج “بيغاسوس” للتجسس في فرنسا، إلى أزمة. كما شعر المغاربة بالإهانة بسبب القيود المفروضة على منح تأشيرات السفر إلى فرنسا. وأخيرا، عندما ضرب أكبر زلزال في تاريخ البلاد الأطلس الكبير، في سبتمبر الماضي، لم يقبل المغرب المساعدة التي قدمتها فرنسا، مفضلاً دولة قطر أو حتى إسبانيا.
بالنسبة للمعطي منجب، كان المغرب بحاجة إلى تسويق خطاب قومي للشعب، وإظهار قدرته على معارضة فرنسا، مستعمره السابق. ويتذكر قائلاً: “كانت الصحافة القريبة من السلطة قاسية للغاية مع فرنسا”.
ولفت الموقع إلى تواجد ثلاثة وزراء من الحكومة الفرنسية، وهم جيرالد دارمانان وأورور بيرجي وستيفان سيجورنيه ، في سفارة المغرب بباريس مساء الثلاثاء، للاحتفال بمرور خمسة وعشرين عامًا على حكم محمد السادس. وكذلك حضرت أودري أزولاي، وزيرة الثقافة السابقة في عهد فرانسوا هولاند، والمديرة الحالية لـ”اليونسكو”.
وقال الموقع إن الصحراء الغربية بمياهها الغنية بالأسماك وأراضيها المخصصة للزراعة ورواسب الفوسفات، تشكل قضية حاسمة بالنسبة للرباط، إلى حد جعلها أولوية مطلقة في دبلوماسيتها. وذهبت بعض الدول، مثل السنغال والإمارات العربية المتحدة والغابون، إلى حد إنشاء قنصليات في العيون أو الداخلة، وهما مدينتان في الصحراء الغربية.
وأشار إلى أن الملك محمد السادس كان واضحا في 2022 عندما قال: “قضية الصحراء هي المنظور الذي ينظر من خلاله المغرب إلى محيطه الدولي، وهذا مهما كان الثمن”. ولفت إلى أنه عام 2020، كان لا بد من دفع ثمن اعتراف الولايات المتحدة بالصحراء المغربية من خلال التوقيع على اتفاقيات أبراهام، لتطبيع العلاقات المغربية الإسرائيلية. وهذا ما يفسر أيضًا، بالنسبة للمعطي منجب، أهمية الخطاب الوطني المغربي: “إنها مسألة مواجهة هذا التطبيع، الذي لا يحظى بشعبية كبيرة، بل وأكثر من ذلك منذ 7 أكتوبر.والمجتمع المدني المغربي يظهر بشكل مكثف ومنتظم دعمه للقضية الفلسطينية وينتقد التطبيع باعتباره خيانة”.
واعتبر “ميديابارت” أنه مع فرنسا سيكون المغرب قادرا على الاعتماد على الدعم المعزز من دولة هي عضو دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة… باستثناء، ربما، إذا غيرت الحكومة موقفها السياسي، وانتقد جزء من اليسار الأزمة التي اندلعت مع الجزائر.
المصدر: التونسيون- وكالات و موقعي مونتي كارلو و ميديا بارت
Comments