الجديد

الصّين تحول محنة الكورونا الى فرص للهيمنة

شعبان العبيدي                                                                                               

أفاق العالم مع بداية العام تالحالي (2020) على وضع وبائيّ يضرب الصّين ويعطّل الحياة الاقتصادية والصناعية لثاني أكبر اقتصاديات العالم الجديدة. وبعد معركة دامية ضدّ هذا الفيروس الوبائيّ قادته دولة جمهورية الصين الشعبية وحكومة شي جين بينغ المتسلّحة بمبادئ “الاستبداد الشيوعيّ” في التصدّي لفيروس كورونا الوبائي الّذي فتك فيها بأكثر من 3.179 حالة، ومازال الوضع قابلا للزيادة مع التخوّف من موجة ثانية تكون صادرة من الخارج، فضلا عن وجود قرابة 90 ألف إصابة.

وراقب متابعو وسائل الاتّصال والتّواصل مراسم تكريم مهيبة للطاقم الطبيّ العائد من مدينة ووهان اعترافا بالجميل والتضحية التي بذلتها قوافل الجيش الأبيض من أبناء ماوتسي تونغ في سبيل حماية مواطنيهم و الانتصار على العدوّ الوبائيّ، حبّذا لو تكون تلك الصور درسا لغيرهم ممّن مازالت تغلب عليهم ثقافة البذاءة في سوق المرض الإيديولوجي.

الأخبار القادمة من بيكين تشير الى أنها بصدد التعافي وقد تخرج منتصرة بعد أن واجهت مصيرها منفردة، وكان العالم يرقب ما يجري فيها دون حراك، بل سدّ عليها منافذ الحركة و التّبادل الاقتصادي، وكان الكثيرون من زعماء العالم “الحرّ” للنيوليبرالية الجديدة وخاصّة عدوّها الأكبر الولايات المتّحدة الأمريكية يرقب عن كثب متشفيّا، مزهوا بأنّ الخصم الاقتصادي والسيّاسيّ بات على شفا الانهيار و تدمير إمبراطورتيه المزعومة، وهي حقائق لا يمكن أن تخفى من خلال تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الّذي لم يفوّت فرصة إلاّ وحاول فيها ربط هذا الوباء بالصّين ونسبته إليها في مصطلحه” الوباء الصّيني” حتّى كأنّه ينزّلها منزلة الإجرام أو الاحتقار تماشيا مع ما راج على مواقع التّواصل من تهكّم من الشعب الصّيني وما رُوّج من صور مغرضة عن تغذّيه بالخفافيش وأنواع الحيوانات و الزواحف.

وما كان الرّجل الأبيض المريض بعقدة الاستعلاء يتصوّر أنّ الوباء الرّحالة سيغزوه ويضعه في مواقف صعبة وأكثر أثرا و ترويعا ممّا حدث للأخر، فغرقت أوروبا في مستنقع من التخبّط مع حلول الوباء بأراضيها، الذي فتك بنسب كبيرة من الأرواح وعدد مهول من المصابين، بل باتت أمريكا اليوم بعد أن اجتاح فيروس كوفيد 19 أراضيها في مرتبة أولى عالميا حيث تجاوز فيها الوباء القاتل عتبة المائة ألف. أثار الرّعب والهلع، ودفع بحكومة ترمب إلى وضع برنامج للإغاثة وخطّة شاملة قانون للإنتاج الدّفاعي من أجل توفير وسائل أجهزة التنفس الاصطناعي.

بعد الحرب الكلامية بين إدارة بيكين وإدارة واشنطن، والاتّهامات المتبادلة الّتي ذكّاها ما نشره ناشطون سياسيون وفلاسفة وعلماء حول تورّط الولايات المتّحدة في تصنيع هذا الفيروس، وبثّه عن طريق أجهزتها السرّية والعسكرية في مدينة “ووهان” الصينية.

تصافح العدوّان خلال هذا الأسبوع خلال  قمّة العشرين التي تمت عن بعد وقد اتفقا على ضرورة توحيد جهود البلدين من أجل مواجهة هذا الوباء، وذلك عن طريق تبادل المعلومات والمساعدة بالخبرات، وكان هذا بعد توقيع الرئيس الأمريكي مع رئيس مجلس الدولة الصيني “ليو” الاتّفاق التّجاري بين البلدين.

وهو ما بات يبشّر بعودة  مدّ جسور التّعاون والتّكامل بين أذرع النّظام العالمي الجديد وبعث الحياة فيه من جديد، على خلاف ما تنبأ به الكثيرون من المحلّلين والفلاسفة المهتمّين بالشأن السياسيّ الدّولي، وهو ما جعلنا نلاحظ بداية سقوط مقولات ما بعد “كورونا” كأنّها حقبة زمنية للتأريخ، بل يبدو أنّ نظام العولمة يحمل من المناعة جهازا قويّا من الخلايا والأنسجة هي جيشه الخفيّ الذي يضخّ فيه كلّ مرّة بعد الهزّات العالمية الرّوح ويبعثه إلى النّشاط من جديد .

يبدو أنّ الصّين اليوم، تستعيد حياتها في مصانعها ومؤسساتها، وتدير من جديد عجلة الاقتصاد بكلّ حركية وحيوية المندفع بعد سكرات الموت والانهيار، وشدّد المسؤولون على ضرورة استئناف النشاط الصّناعي، إضافة إلى تلك المؤسّسات التي بقيت في حالة اشتغال دائم في المناطق التي لم تتضرّر بالوباء، وهو ما يتجّلى في مصانع السيّارات والنسيج والخدمات، وفي مجالات الزراعة والتغذية مع مواصلة العمل على الوقاية الصحيّة والتحسّب للطوارئ في حال موجة ثانية لهذا الفيروس.

وعموما يبدو أنّ الصّين، وقد تعافت من الفيروس الخبيث، وفي غفلة من العالم المجنّد لمواجهة الوباء المستجدّ، أصبحت مركزا عالميا لتصدير الحاجات الطبيّة وشبه الطبيّة، ومصدّرا لكلّ الطلبات العالمية باتّجاه أوروبا وأمريكا وإفريقيا. وهو ما يفتح لها مجال السوق واسعا ترتع فيه بحرّيةّ، وتزيد بذلك من فرص نموّها وافتكاكها لأسواق جديدة. وفرض سيطرتها على العالم. هكذا استطاع العملاق الصينيّ بثقافة العمل والجديّة والانضباط وسلطة اليد الطولي لدولة الخلاص الشيوعي أن تحوّل المرض والوباء الذي وصمها به العالم بالأمس ووظفه كثيرون للسخرية من شعبها الأبيّ ذي المناعة القيمية والثقافية الماوية إلى معبر وفرصة للرّبح والتّرقي في مصاعد السيطرة العالمية.

 

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    ^ TOP