الجديد

العجمي الوريمي يكتب عن أدب السجون : من اقترفوا الكتابة .. التهمة  والامتياز

العجمي الوريمي
دعا عبد الحليم المسعودي في برنامجه “جمهورية الثقافة” على القناة الوطنية الأولى في حصته لهذا الاسبوع (ٱخر أسبوع من الشهر الأول من العام الجديد 2019) عددا من الكتاب ممن عاشوا تجربة السجن وكتبوا عنها وبسببها وهم على التوالي الصادق بن مهنى وعبدالحميد الجلاصي وعبد الجبار المدوري وكمال الشارني هؤلاء وأمثالهم اعتبروا الكتابة الملتزمة أو كتابة ما بعد السجن مواصلة  للنضال ودأب على نمط حياة ووجود داخل الكتابة بما هي خروج من الأسر والأسوار وعودة على خطى التمشي دورانا في الفسحة الضيقة بما هو طواف حول الذات وتفكير خارج الزمن الاجتماعي.
وبما هي إقامة في الجغرافية الضيقة للاستبداد ومواجهة مميتة مع الاستبداد المباشر بلا مسافة ولا واسطة ولا غلاف ولا غطاء أي المواجهة العارية مواجهة اللحم بلا لباس للبأس الشديد للحديد .. هل يتسرب الأنين بين الكلمات هل تبلل العبرات العبارات هل تتساقط الحروف على الصفحات ممزوجة بالدموع والدماء.. أم تتسرب أنغام من بين الاسطر مع معاني التحدي وترتفع إلى الفضاء البعيد زغاريد الفرح بالانعتاق والانتشاء بالانتصار.
لم نفكر في الكتابة فكيف خطر ببالهم ذلك؟ متى قرروا ومتى رتبوا أفكارهم وكم انتظروا حتى تنعتق من بين ضلوعهم قصة ملحمة النضال ؟
قد يقول قائل تجربتي لا تستحق أن تدون وليس فيها ثراء وتكثيف يجعلها قابلة للاستثمار روائيا وفنيا وكأنها وثيقة لا ترتقي لمرتبة الوثيقة الحاملة لقيمة تاريخية المكتنزة بما يستحق التأويل والتدوين..
قد يقول قائل تجربتي لا تترجم وليس في اللغة ما يستعيدها وليس في الذاكرة ما يساويها وليس في الأفهام ما يقاربها ويعيها وليس من جدوى في المحاولة لأنها لا يشبهها في عمقها ألا الصمت والتأمل ولا يشبهها ألوانها أي لون وفي طعمها ورائحتها أي مذاق ورائحة..
الذين فكروا في الكتابة من أمثال قرامشي وناظم حكمت وجلبار نقاش ولم نفكر في ذلك قبل أن نسمع ونعلم أنهم كتبوا بالفحم والطباشير والمرجين وبالإبرة والحبر وبقلم الرصاص على الحجارة والقماشة والقرطاس هم بالتأكيد يمتلكون من الارادة والعناد ما جعلهم يقفون في وجه الظلم والاستبداد وعندما كتبت لهم المقادير عمرا جديدا بعد أن خرجوا من تحت الأنقاض مثل الكائنات الأسطورية ومن الأسر مثلما تخرج الفكرة من العدم قرروا بنفس التصميم والعناد والإيمان فتح الجراح وتقليب الصفحات الهاربة والمنسية يستنطقونها لتروي الحكاية كاملة بدأ من أولها أو أوسطها أو ٱخرها
هؤلاء الأبطال لا يزالون في طوافهم حول الذات الجماعية هذه المرة وزيارتهم دون استئذان لعناوين الجلادين والمناضلين على السواء والترحال من سجن إلى سجن بلا أغلال هذه المرة كالطيور المهاجرة يسلمها موسم إلى موسم وبر وبحر إلى بر وبحر .. نحتاج أن نقتفي أثرهم بالكتابة مثلهم ويحتاجون أن نقرأهم لنتعرف على ملامحنا في كتاباتهم وننظر وجوهنا في مرٱة نصوصهم ونعشق مثلهم ما افتقدناه من حرية وما حققناه من تحرر وما تبعثه فينا كتاباتهم من ثقة وأمل في أن زمن الأحزان لا يدوم وأن النصر ٱت وقريب وإن أبطأت عقارب ساعته في دورانها الثابت ودقاتها المنتظمة معلنة ولادة الإنسانية.

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    ^ TOP