العجمي الوريمي يكتب ل “التونسيون”: عن “حكومة الفخفاخ .. و إجهاض عهد الاستقرار”
العجمي الوريمي*
لقد كانت جلسة مجلس نواب الشعب يوم الأربعاء 3جوان 2020 بفصليها وشوطيها الممتدين على أزيد من عشرين ساعة حول التصويت على لائحة بمبادرة من كتلة الدستوري الحر حول رفض التدخل الأجنبي في ليبيا وحول مفهوم الدبلوماسية البرلمانية مناسبة لإسقاط الاقنعة عن المرامي الحقيقية للفرقاء داخل المجلس وحتى خارجه ومناسبة لإسداء الستار عن مرحلة سياسية كان عنوانها الأبرز “التوافق”.
لا لوم على الحزب “الدستوري الحر” وزعيمته المتشنجة الا على الاسلوب والمغالطة وعنف الخطاب أما تموقعه في المعارضة فهذا خياره والتزامه تجاه ناخبيه ولكن السؤال يطرح على “حركة الشعب” وكتلة “تحيا تونس”: فهل هما في الحكم ضمن الائتلاف الحاكم برئاسة إلياس الفخفاخ أم في المعارضة جنبا الى جنب مع الدستوري الحر؟
لم يكن الامر مجرد التقاء ظرفي وتقاطع في الموقف حول موضوع محدد في إطار البحث عن اجماع في البرلمان واتفاق بين جميع الكتل حول سياسة موحدة تجاه الاوضاع في ليبيا وهو ما سعى إليه قلب تونس والتيار الديمقراطي وقبلت به النهضة ورفضه الدستوري والشعب وهو ما كشف عنه أحد نواب التيار الذي شهد بأن عبير موسي رفضت صيغة تعديل اقترحتها كتلته مبررة ذلك انها تخشى أن تقبل بها كتلة النهضة وتصوت لفائدة اللائحة المقترحة..
لو سارت حركة الشعب في نفس الاتجاه وبذلت مساعي للتقريب من أجل نص لائحة باسم مجلس النواب بكامل اعضائه لارتفعت اسهمها داخل المجلس وداخل الحكومة ولكانت صانعة الاجماع بعد تفرق ومصححة المسار بعد ما بدا لها ولبعض الكتل ميل وانحياز ولكن لأمر ما تصدرت مجموعة الشعب داخل الكتلة الديمقراطية الهجوم على رئيس البرلمان وبالغت في التجريح والتنديد حتى بعد انتهاء التصويت على اللائحة ..
وللمفارقة وعلى خلاف ما ينص عليه النظام الداخلي من منع التعليق على التصويت كانت جلسة ما بعد التصويت تعليق على نتائجه وعلى مداولات الجلسة النهارية التي سبقته .
أضاعت مجموعة حركة الشعب فرصة اصدار لائحة باسم المجلس وتسببت في إهدار فرصة الإمضاء على وثيقة “عهد التضامن والإستقرار” التي من المفروض أن ترمم التضامن الحكومي وان تكون اسمنت البناء الحكومي ولحمته المنشودة..
لقد نسف دعاة تلازم المسارين البرلماني والحكومي وحدة الفريق الحكومي ورصيد الثقة بين مكونات الائتلاف ووضعوا رئيس الحكومة الياس الفخفاخ في مفترق اختيارات صعبة بين الابقاء على ائتلاف هش يتقلص حزامه الداعم ويضيق عليه هامش المبادرة في الانجاز والاصلاح وبين توسعة لم تعد ممكنة رغم ضرورتها لاستمرار الحكومة الا بإقناع حركة الشعب أو دفعها للانتقال الى المعارضة بعد أن التقت في حلف “مقدس” مع الدستوري الحر ضد “إخوان” تونس بزعمهم.
من المؤكد بعد ما حصل في جلسة الحوار حول الدبلوماسية البرلمانية التي ظهر فيها رئيس البرلمان هادئا ولم يغادر مقعده لمدة عشر ساعات بلغت فيها بعض المداخلات مستوى غير مسبوق من التجريح في شخصه وفي ادائه في اصرار من أشرس منتقديه على المساءلة في وقت كان فيه البعض يمررون عريضة للامضاء تطالب بسحب الثقة من رئيس المجلس..
من المؤكد انه بعد الذي حصل صار من المستحيل على الغنوشي ومساعديه في حزبه أن يظهروا في صورة جماعية مع حركة الشعب يقف عند رؤوسهم إلياس الفخفاخ لمباركة إمضاء وثيقة (عهد التضامن والإستقرار) لأنها ستكون صورة عن كذبة كبيرة لن يصدقها التونسيون ولن يقبلها ناخبو النهضة وانصارها.
وستكون تعبيرا عن النفاق السياسي من جميع الحضور (تراهم جميعا وقلوبهم شتى) وستحدث نقيض ما أريد منها في الاصل من اظهار تعافي الائتلاف وجاهزيته للمرور الى الانجاز ومجابهة ٱثار جائحة كورونا والأزمة الاقتصادية والمالية الحادة .
ربما نجحت بعض الأطراف كالدستوري الحر وحركة الشعب في جر المجلس الى “محاسبة” قاسية للرئيس الذي امتد تأثيره الى الاقليم وإلى باقي السلطات ولم يلتزم بالعكوف في مكتبه أو الاكتفاء بتوزيع الكلمة في الجلسات العامة وإطراب زملائة بالنقر الخفيف بالمطرقة على طاولة الرئيس.
وآثر على ذلك طرق الابواب الموصدة وانتهاج المسالك الوعرة شاغلا الناس ومحيرا الأعداء والحلفاء ولكنهم (مجموعة الشعب خاصة) وقعوا في شرك خطتهم وأوقعوا معهم مجموعة التيار الديمقراطي التي اختارت منطق الدولة كما أوقعوا رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ وأعادوه إلى نقطة الانطلاق وسيضطرونه إلى مراجعة جميع حساباته لأنهم لم يعد بإمكانهم أن يقنعوا أحدا بأن حكومته هي فعلا حكومة وحدة وطنية لا تحتاج للتوسعة والانفتاح على شركاء جدد إذ لا وجود في أي تجربة سياسية وفي أي بلد يعمل طرف معول الهدم في البناء الموحد ويدعي انه بذلك يصون الوحدة ويدعمها.
Comments