الجديد

العجمي الوريمي يكتب ل “التونسيون”: “في الرد على دعاة الإجراءات الإستثنائية وقمع الإحتجاجات المشروعة”

العجمي الوريمي *

تعيش البلاد أزمة إقتصادية ومالية زادتها جائحة كورونا(كوفيد19)تعقيدا إذ تزايد الإنفاق بصفة غير متوقعة وارتفعت المديونية بحجم غير مسبوق ورغم أن البلاد قد رسخت قدمها في الديمقراطية من خلال تتالي الإنتخابات العامة تشريعية ورئاسية وتركيز حكم محلي جعل السلطة موزعة وقريبة من المواطن فإن الإنتعاشة الإقتصادية تأخرت والمالية العمومية تدهورت ما يطرح تحديا مصيريا على الطبقة السياسية والنخبة الحاكمة ..

وقد انتجت انتخابات ٢٠١٩ التي فاز بها حزب النهضة مشهدا برلمانيا مشتتا ومتشرذما مع صعود أطراف سياسية منها ما يدعو للقطيعة الجذرية مع المنظومة القديمة العائدة منذ 2014 ومنها من يحمل الثورة والأطراف التي أتت بها مسؤولة كل الصعوبات والإخفاقات الإقتصادية داعية إلى إستبعاد من تعتبرهم منتسبين للإسلام السياسي وتوظيف الإرث السياسي الدستوري والتجمعي لإعادة هيبة الدولة.

الخارطة البرلمانية بتركيبتها المتناقضة وبموازين القوى المتقاربة أنتجت حالة من عدم الإستقرار خاصة وأن الأطراف المتعارضة سلكت طريق المزايدة والمغالبة والدفع نحو الإستقطاب بين القديم والجديد أو الإستقطاب الإيدولوجي والهووي والكل يتهم الكل

موازين القوى الناتجة عن انتخابات 2019 ومع صعود رئيس جمهورية من خارج منظومة الأحزاب بنسبة عالية من ثقة الناخبين جعل بعض الأطراف تعمل على تحويل مركز ثقل القرار إلى قصر قرطاج أي إلى رئاسة الجمهورية على حساب الحكومة والبرلمان معولة في ذلك على موقف الرئيس المنتخب قيس سعيد السلبي من المنظومة الحزبية وفشل الحزب الفائز في نيل ثقة البرلمان للحكومة الأولى بعد الإنتخابات (حكومة الحبيب الجملي) واستقالة حكومة الرئيس الأولى بسبب شبهة فساد وتضارب مصالح تعلقت برئيسها وببعض وزرائها.

فالداعون اليوم لمراجعة النظام السياسي وحتى الدفاع عن فرضية حل البرلمان هي -إما أطراف انهزمت في الإنتخابات العامة 2019 وتتعلل بعدم قدرة الحكومة على إنقاذ البلاد -أو أطراف تريد الإصطفاف وراء السيد رئيس الجمهورية لإنهاء ما تعتبره هيمنة حركة النهضة على الحكم منذ سنة 2011 وهي تنقب في كل فصول الدستور التي تمنح رئيس الجمهورية اتخاذ إجراءات استثنائية أو حل البرلمان.

أطراف يقودها الحنين إلى زمن الإستبداد وبعقلية ثأرية من الثورية وتتستر بالدعوة إلى إستعادة الدولة لهيبتها ومنع انهيارها وتفككها هذه الأطراف المنهزم منها في الإنتخابات الأخيرة ومن يريد تكوين جبهة سياسية يقودها الرئيس ومن يريد إعادة عقارب الساعة إلى الوراء بتحريض الرئيس على اتخاذ إجراءات استثنائية تجد في الإحتجاجات الإجتماعية ذات الطابع المحلى والجهوي.

وهي احتجاجات مطلبية بالأساس حجة وتعلة لتمرير أجندتها السياسية الحزبية أو المعادية للديمقراطية والثورة إن الوضع الراهن وضع مأزوم بسبب الحسابات والأجندات المتعارضة والمتناقضة ولكن من وراء الدعوة لحل البرلمان استهداف للبرلمان الحالي لا استهداف للنظام البرلماني في حد ذاته.

كما أن أصحاب دعوة حل البرلمان الذين يريدون وقوف رئيس الجمهورية في صفهم يأملون استغلال موقف الرئيس الشخصي من الأحزاب ومن الفساد ومن منظومة الحكم التي أصبح ملزما بحكم موقعه بحمايتها والتحرك ضمن قاعدتها الدستورية حتى وإن كان يروم تغييرها ..

وفي خضم هذه الرهانات يبدو رئيس الجمهورية حذرا تجاه دعوات حل البرلمان ودعوات اتخاذ إجراءات استثنائية بدعوى احتمال الخطر الداهم لأن الرئيس قيس سعيد يعي أن هذه الدعوات تقدم له هدية مسمومة وأن حل المؤسسات الشرعية المنتخبة أو استجماع السلطات والصلاحيات بيده في ظل الأزمة لن ينتج عنه إلا انهاك المؤسسة العسكرية والأمنية وربما تصاعد الإحتجاجات وما يمكن أن يترتب عنه من احتقان قد يفضي إلى صدامات لا تحمد عقباها.

إن الدولة من خلال مؤسساتها والحكومة وجميع الأطراف اليوم أمام مسؤولية التوفيق بين الحفاظ على الشرعية ممثلة في المؤسسات المنتخبة من برلمان ومجالس حكم محلي والإستجابة لمشروعية مطالب الجهات والفئات في التنمية والتشغيل والتوزيع العادل للثروات وما يتطلبه ذلك من إصلاحات قد تمر عبر حوار وطني اقتصادي واجتماعي ومن تفاوض مع المنظمات الوطنية وتنسيقيات المحتجين وعدم الإصغاء لمن يعتبرون المطلبية المشروعة تمردا ونعرات جهوية ينبغي الرد عليها ومواجهتها بالاجراءات الإستثنائية واستعمال العصا الغليظة.

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    ^ TOP