العراق .. الثمن الباهض للحراك الشعبي
محمد بشير ساسي*
يقال أنه لم تعد هناك منطقة دافئة في العراق يمكن أن يُستقرّ في حدودها حلّ سياسي يوقف نزيف الفوضى والقتل .
في البداية طالب المحتجون بتأمين فرص عمل وتحسين الخدمات ومحاربة الفساد، قبل أن تتوسع الاحتجاجات بصورة غير مسبوقة وتشمل المطالب رحيل الحكومة والنخبة السياسية المتهمة بالفساد.
أسابيع الكر والفر بين الحكومة والحراك الشعبي تشققت على إثرها جدران الحياة والاستقرار النسبي في بلاد الرافدين. ويبدو أن الاستنفار الأمني الكبير والخطط التي وضعتها الحكومة أمام زحف المتظاهرين مطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي لم تمنع انتصار لغة السلاح وإراقة الدماء بنيران قال عنها رأس الهرم في المؤسسة العسكرية الحكومية وزير الدفاع العراقي نجاح الشمري أنّها مجهولة المصدر، مُتّهما طرفا ثالثا بالوقوف وراءها.
تصريح كان يعتقد أن يخفّف حبل الضّغوط الذي ضاق على رقبة الحكومة العراقية، لكن جرت رياح الضغط الشعبي بما لا يشتهيه رئيس الوزراء عادل عبد المهدي الذي اختار الهروب من المســــــؤولية والمحاسبة بعد تقديم استقالته إلى مجلس النواب التي وافق عليها استنادا إلى المادة 75 من الدستور العراقي.
خطوة اعتبرها مراقبون متأخرة جدا بعدما دفع المحتجون ثمنها الباهظ حيث يتحمّل رئيس مجلس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة مسؤولية السياسة العامة للدولة وإراقة الدماء، بحسب نص الدستور.
وحتى وإن كانت هناك قناعة لدى كثيرين أن استقالة عبد المهدي لا تعني ضرورة أن تتم محاسبته بشكل سريع لأن ذلك سيظل رهن استقرار العراق وهو في الواقع سيحتاج إلى مرحلة طويلة من أجل تضميد الجراح
فهروب عبد المهدي من المشهد السياسي في هذه اللحظة الحرجة يقرأه البعض بمثابة استرجاع الأنفاس للقوى السياسية الباحثة عن هدنة مع الشارع العراقي الغاضب. ولكي يفهم إعلان رئيس مجلس النواب سليم الحلبوسي عن مخاطبة رئيس الجمهورية لتسمية رئيس حكومة جديد، حسب المادة 76 من الدستور العراقي على أنه استجابة للأصوات العالية بحتمية التغيير والإصلاح، فإن ذلك لن يضمن هدوء الشارع الذي اعتبر استقالة عبد المهدي “أول الغيث”..
في انتظار أن يرفع سقف مطالب الاستقالات ليشمل باقي الرئاسات، مطالب وإن كان طريقها طويلا ومكلفا برأي مراقبين فإن الإصرار على انتزاع السلطة من يد الحكومة “الفاسدة ” لنقلها إلى الشعب بات قويا واتخذ نسقا تصاعديا.
وحتى وإن احتاج العراق إلى مرحلة الاستقرار السياسي والاجتماعي عاما أو أكثر فإن الوعي الشعبي المتشكل الآن في المشهد العراقي بات يقرأ له ألف حساب بين القوى السياسية التي لم تتوقع أن تنتفض ضدها قوى شارع جديد بمطالب سقفها عال.
*إعلامي تونسي
Comments