الغنوشي أمام البرلمان .. حوار أم مساءلة ؟
هشام الحاجي
لا شك أنه لم يكن يدر بخلد راشد الغنوشي لحظة و هو يجلس لأول مرة على سدة رئاسة مجلس نواب الشعب أنه سيكون ذات يوم محل “مساءلة ” حسب تعبير البعض من النواب او في قلب “جلسة حوار برلماني حول الديبلوماسية البرلمانية ” و لكن وقع ما لم يكن في مجال تفكير راشد الغنوشي ليجد نفسه غدا في جلسة كانت عديد المؤشرات منذ انتخاب راشد الغنوشي رئيسا لمجلس نواب الشعب تشير الى أنها ممكنة الوقوع.
فقد كان لافتا أن بعض أعضاء مجلس نواب الشعب قد جعلوا من “تصيد ” ما يعتبرونه أخطاء رئيس المجلس أحد أهم أدوات عملهم و هو ما أدى في عديد المناسبات إلى “توتر ” في سير الجلسات كان بشكل من الأشكال استمرارا لأسلوب “الأداء الاستعراضي” الذي شق طريقه للمجلس النيابي منذ المجلس الوطني التأسيسي سنة 2011 .
يضاف إلى ذلك بكل تأكيد دخول عبير موسي و كتلة ” الحزب الحر الدستوري ” إلى مجلس نواب الشعب في الإنتخابات التشريعية الأخيرة لأن هذا الحزب يعتبر أنه لا مجال لأدنى التقاء مع حركة النهضة التي يصر على اعتبارها امتدادا لحركة الإخوان المسلمين و لا يخفي أنه يعمل على محاكمة قياداتها و من هذا المنظور اعتمدت عبير موسي أسلوب ” ارهاق ” راشد الغنوشي بالأسئلة ” المحرجة ” و ” المقاطعة المربكة ” عن الكلام إلى جانب المخاطبة بمفردات و نبرة فيها غياب لأدنى درجات “المتعرف عنه” في العمل البرلماني.
و جلسة الغد هي من هذه الزاوية حلقة من حلقات ” مواجهة سياسية و شخصية ” بين راشد الغنوشي و عبير موسي بالدرجة الاولى في مسألة تهم بكل تأكيد بقية الأحزاب السياسية و الكتل البرلمانية و أيضا طرفا آخر تعنيه الديبلوماسية البرلمانية و نعني به رئيس الجمهورية قيس سعيد الذي لا تخفي خطبه و تحركاته ” انزعاجا ” من “اقتحام ” راشد الغنوشي لمجال السياسة الخارجية.
لم يكن إدراج جلسة ” المساءلة ” في جدول أعمال مجلس نواب الشعب بالأمر البسيط إذ رفض مكتب المجلس ذلك في المرة الأولى و لم يكن الأمر ممكنا إلا بعد أن ” أقحم ” راشد الغنوشي مجلس نواب الشعب في متغيرات المشهد الليبي من خلال مكالمة هاتفية مع رئيس حكومة الوفاق الليبية فائز السراج و هو ما أثار احتجاج الكتل التي كانت قد اعترضت في المرة الأولى على ” مساءلة” راشد الغنوشي .
و يبدو أن عامل الوقت و أسلوب ” المماطلة ” قد منح راشد الغنوشي حيزا يجعله يدخل جلسة الغد و هو يدرك أنها لن تكون في أفضل حالاتها إلا ” تدريبا إضافيا على الديمقراطية ” و ” مناسبة لتحديد مجالات و آليات الديبلوماسية البرلمانية ” حسب تعبير بعض النواب و “دليلا على حيوية التجربة الديمقراطية التونسية ” حسب تعبيره في حوار أدلى به لموقع ” الجزيرة نت ” .
فبعيدا عن النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب فإن حركة النهضة قد تحركت من أجل توفير كل الضمانات و التوقي من كل ” المفاجآت غير السارة” التي قد تحدث لرئيسها و قد اعلمت الأحزاب التي تشترك معها في حكومة إلياس الفخفاخ إلى أن التقاء هذه الأحزاب مع عبير موسي في مسعى “الإطاحة ” براشد الغنوشي من رئاسة البرلمان سيؤدي إلى انسحاب حركة النهضة من الحكومة علاوة على أن للحركة حلفاء و أصدقاء في مجلس نواب الشعب من أبرزهم ” ائتلاف الكرامة ” و “قلب تونس ” إلى جانب عدد من نواب ” تحيا تونس ” و هو ما يعني أن راشد الغنوشي في مأمن من الناحية العددية.
إضافة إلى أن مجريات الأحداث في ليبيا قد تغيرت لحد الآن لفائدة أصدقاء راشد الغنوشي هذا دون أن ننسى أن فشل إعتصام “عماد بن حليمة” البارحة قد منح شحنة إضافية لرئيس حركة النهضة الذي يواصل خوض المعارك على عدة جبهات دون أن يمل من المعارك أو يتخلى عن التمسك بقناعاته إلى حد الظهور بمظهر الشخص العنيد الذي يرفض التنازل عن أفكاره و الذي قد ينسى أن تعدد جبهات المواجهة يمثل استنزافا و ابتعادا عن “المعارك الحقيقية ” و عن الرهانات الاستراتيجية.
و ما يبدو واضحا ان راشد الغنوشي يمسك اكثر اوراقا من منافسيه في جلسة الغد خاصة و ان السياسة تحتكم في عديد المرات الى ما يفرضه ” الميدان” من حقائق فخليفة حفتر لن يدخل طرابلس ” فاتحا” كما توقع الكثيرون و هو ما يجعل من راشد الغنوشي الذي يراوح بين مساندة فائز السراج و الدعوة لحوار ليبي- ليبي من اجل حل سياسي مؤثرا في مستقبل العلاقات التونسية- الليبية.
كما أن راشد الغنوشي الذي يستعد لتقديم مبادرة للمصالحة الوطنية ويتمسك بضرورة حكومة وحدة وطنية هو اقرب عند عدد مؤثر من رموز النظام السابق من عبير موسي التي استهدفهم خطابها في أكثر من مناسبة.
Comments